يجد الصحفي عادل عيسى(عادل إمام)، بطل فيلم “الغول”، نفسه شاهدًا على جريمة قتل يرتكبها (نشأت) نجل رجل أعمال فاسد يدعى فهمي الكاشف، إلا أن النفوذ والقوة يبعدان التهمة عن الجاني الحقيقي رغم وضوح الأدلة ووجود ضحية أخرى مصابة شهدت الجريمة، فيتعرَّض عادل لإحباط بسبب إفلات الجاني من العقاب، وهذا التمييز بين الأقوياء والضعفاء، سواء على مستوى الأفراد أو الدول، يجسد قانون ساكسونيا.
وما يجعل قانون ساكسونيا أكثر وضوحًا في المشهد الدولي المعاصر، هو تطبيق العقوبات الدولية بصرامة على الدول الضعيفة، بينما تفلت منها الدول القوية وحلفاؤها ويصدر بحق الجاني كلاما لينا، خاصة إذا كانت عضوًا دائمًا في مجلس الأمن، مما يتيح لها تعطيل قرارات وقف الإبادة أو جرائم الحرب، كالتي حصلت في سوريا أو فلسطين.
و “قانون ساكسونيا”، يعود إلى مملكة ساكسونيا (في ألمانيا) في القرون الوسطى، حيث تقول الروايات الشعبية أن القانون كان يميز في العقوبة بناءً على مكانة الشخص الاجتماعية. فإذا ارتكب النبيل جريمة قتل، على سبيل المثال، يُحكم عليه بتعليق درعه أو قبعته على مشنقة بدلًا من إعدامه هو شخصيًا وربما يعاقب ظله، أما إذا ارتكب شخص من العامة نفس الجريمة، فكانت العقوبة تصل إلى الإعدام.
ومنذ نشأة المنظمات الدولية التي وضعت أسسًا لقوانين تنظم العلاقات بين الدول، كان الهدف هو تحقيق السلام ومنع الحروب وتحقيق العدالة، فمجلس الأمن وظيفته الأساسية (حفظ الأمن والسلم الدوليين) لكن في الواقع، أثبتت الأحداث أن هذه المنظمات تعاني من ضعف كبير في فرض القوانين الدولية بالتساوي على الدول القوية، إذ تعمل هذه الدول على حماية مصالحها أو مصالح حلفائها حتى وإن تعارضت مع القانون الدولي. حتى أصبحت هناك دول مدعومة من قوى عظمى مثل أمريكا وروسيا، تتمتع بحصانة ضد العقاب الدولي، فتستخدم واشنطن وموسكو القانون الدولي كأداة لتحقيق المصالح الجيوسياسية دون اعتبار لحقوق الدول أو الشعوب الضعيفة.
فتكون العقوبات الدولية بمثابة عقاب للدول الضعيفة في حين تُستثنى دول أخرى رغم ارتكابها نفس الانتهاكات، وذلك بسبب القوة والنفوذ الذي يتمتع به حلفاؤها، ويؤدي هذا النهج إلى تآكل مصداقية القانون الدولي، الذي يصبح في أعين الكثيرين مجرد سلاح يُستخدم ضد دول لا تتمتع بدعم من القوى الكبرى. فعلى سبيل المثال، نجد نظام بشار الأسد باقي رغم ارتكاب جرائم حرب بفضل الفيتو الروسي لكنه تعرض لعقوبات اقتصادية غربية، بينما تُفلت دول حليفة للقوى الكبرى من أي عقاب حتى لو قامت بانتهاكات صارخة، كما يحصل في فلسطين حيث تُقدم الدول الكبرى دعمًا ماليًا وعسكريًا للطرف المرتكب للانتهاكات الجسيمة.
فعندما شعر الشعب السوري بالإحباط وأمسى يبحث عن الانتقام من المجرمين بأي وسيلة كانت، حتى لو بالشماتة بمصيرهم على يد مجرم آخر، وهذا لا يعني أنهم يناصرون المجرم الثاني ضد الأول بل يحبذون لو كان الطرفان بنفس القوة ليلحق الضرر الكبير بجانبي الباطل، رغم ذلك تجد مجموعة أشخاص بعضهم يحمل جنسية إسرائيلية وشلة من عمال ورشات الاعلام العربية يحاولون خلط الأمور على الشعب العربي بحجة أن السوريين يشمتون بمحور المقاومة الإيراني، متجاهلين أن هذا المحور هو من جرد أثقل صواريخه لتدمير المدن السورية على مدى 10 سنوات، في حين يحتفظ بحق الرد في الجولان ويتمسك بقواعد الاشتباك والصبر الاستراتيجي في لبنان وهو يراقب الغزاويين يبادون، ويفعل الفلسطينيون كما يفعل السوريون، فهم يدافعون عن أرضهم حين حملوا السلاح لأنهم لم يجدوا قانونا دوليا يمنع الغرباء من سلب وطنهم.
فكما شعر عادل في فيلم “الغول” بالظلم والإحباط نتيجة الفساد والنفوذ فلجأ لــ “قانون الغاب” لمواجهة “قانون ساكسونيا”، تشعر الشعوب الضعيفة بالمرارة نفسها عندما ترى حقوقها تتلاشى أمام مصالح الأقوياء، وتلجأ إلى العنف لتخليص نفسها مهما كانت النتائج فلعل دماءها السائلة تحرج العالم من الأقربين والأبعدين.
وأخيرا، سقوط عشرات آلاف من الضحايا في فلسطين ولبنان تحت سمع وبصر المجتمع الدولي، يؤكد أن قانون ساكسونيا ليس مجرد قانون تاريخي، بل يمثل واقعًا مستمرًا حيث يُستخدم القانون كأداة للأقوياء، مما يدفع الشعوب الضعيفة للإحساس بالظلم والسعي للانتقام.