توفي الكاتب والشاعر حسن النيفي يوم الخميس 18 كانون الأول/ديسمبر 2025 في فرنسا، إثر أزمة صحية مفاجئة.
نعى مثقفون وكتاب وسياسيون سوريون الكاتب والشاعر والسياسي السوري حسن النيفي بعد وفاته بأحد مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس.
والراحل النيفي كان من معارضي نظام حافظ الأسد وابنه بشار الأسد الذي اعتقله لمدة 15 عاماً، وذلك بين عامي 1986- 2001.
يُعدّ حسن النيفي واحداً من الأصوات الثقافية السورية التي جمعت بين الشعر والفكر السياسي وتجربة السجن والمنفى. وُلد عام 1963 في مدينة منبج بريف محافظة حلب، ونشأ في بيئة ريفية.
البدايات الثقافية
نشأ حسن النيفي في أسرة ريفية بسيطة تقيم في مدينة منبج، إحدى مدن ريف حلب التي تجمع بين الطابعين البدوي والحضري، حيث تداخلت العادات الريفية مع أنماط العيش المدنية، وشكّل هذا التنوع الاجتماعي خلفية مبكرة لتكوينه الإنساني والثقافي.
منذ طفولته، أبدى شغفاً مبكراً بالشعر والأدب العربي، وهو الشغف الذي قاده عام 1983 إلى دراسة اللغة العربية في جامعة حلب. وخلال سنواته الجامعية، أصدر ديوانه الشعري الأول «هواجس وأشواق» عام 1985، وهو لا يزال في سنته الدراسية الثالثة، في خطوة مبكرة كشفت عن موهبة شعرية تتلمس طريقها وسط مناخ سياسي خانق.
لم يكن اهتمام النيفي بالأدب منفصلاً عن الواقع السياسي. فقد انخرط في النشاطين الثقافي والسياسي داخل الجامعة، متأثراً بسياق الثمانينيات، وهي المرحلة التي وصفها لاحقاً بأنها من أخطر المراحل في تاريخ سوريا الحديث، لما شهدته من عنف واسع ومواجهات دامية، لم تقتصر على الإخوان المسلمين، بل طالت النقابات وشرائح واسعة من المجتمع، وأظهرت فيها السلطة أقسى أشكال القمع.
في آذار/مارس 1980، شهد حسن وهو شاب يافع واحدة من تلك الحملات الأمنية، حين طوّقت الدبابات مدينة منبج ونُصبت الحواجز على مداخلها، واعتُقل عشرات من أبنائها للاشتباه بهم. كانت تلك التجربة إنذاراً مبكراً لما ستؤول إليه علاقة السلطة بالمجتمع في السنوات اللاحقة.
الاعتقال والموقف السياسي
تعرّض حسن النيفي للاعتقال في فترة مبكرة من حياته، وهو لا يزال طالباً جامعياً، على خلفية نشاطه السياسي والفكري.
يروي حسن لحظة اعتقاله قائلاً إن عناصر الأمن داهموا غرفته في السكن الجامعي، ولم يسمحوا له حتى بارتداء حذائه، مؤكدين أن الأمر لن يتجاوز ربع ساعة. غير أن تلك الدقائق تحولت إلى خمسة عشر عاماً قضاها متنقلاً بين السجون.
بدأت رحلة الاعتقال بالتحقيق في فرع الأمن السياسي في منطقة السليمانية، حيث تعرّض لأشكال قاسية من التعذيب الجسدي والنفسي. وبعد نحو أربعين يوماً، نُقل إلى سجن حلب المركزي، وقضى فيه خمس سنوات، اعتبرها لاحقاً أقل قسوة مقارنة بالسجون العسكرية.
في عام 1991، صدر عفو رئاسي شمل معتقلين سياسيين، غير أن حسن رفض التوقيع على الوثيقة الأمنية المشروطة بالإفراج، والتي تضمنت إعلان الندم، وإدانة النشاط السياسي السابق، والتعهد بالتعاون مع الأجهزة الأمنية. ونتيجة لذلك، نُقل مع ثمانية عشر معتقلاً آخرين إلى سجن عدرا، وأُحيلوا إلى محكمة أمن الدولة.
قضى في سجن عدرا نحو أربع سنوات وصفها بـ«المرحلة الذهبية»، حيث أُتيح له استقبال الزوار وقراءة الكتب والاستماع إلى الإذاعة. استثمر تلك الفترة في قراءة منهجية مكثفة، فتوسعت معارفه في الفكر والتاريخ والأدب والفلسفة، وهو ما ترك أثراً عميقاً في كتاباته اللاحقة.
في عام 1994، صدر بحقه حكمان بالسجن (15 عاماً و8 سنوات)، دُمجت العقوبتان وفق الحكم الأشد. وفي أواخر عام 1995، رُفض مجدداً الإفراج عنه بعد امتناعه عن التوقيع على وثيقة أمنية جديدة، ليُنقل بعدها إلى سجن تدمر العسكري، حيث أمضى ست سنوات وصفها بأنها الأشد قسوة في مسيرته الاعتقالية، في ظل تعذيب يومي، وظروف معيشية قاسية، وبرد وجوع دائمين.
داخل تدمر، كان حسن ينظم قصائده في ذاكرته، يحفظها دون ورق، كوسيلة للبقاء ومقاومة الانهيار. وبعد الإفراج عنه، تمكن من تدوين تلك التجربة الشعرية في ديوانه «رماد السنين».
في صيف عام 2001، وبعد تولي بشار الأسد السلطة، نُقل حسن مع دفعة من المعتقلين من سجن تدمر إلى سجن صيدنايا، حيث قضى الأشهر الثلاثة الأخيرة من اعتقاله، معتبراً تلك الفترة بمثابة نقاهة قبل الحرية.
عاد حسن إلى منبج فجراً، مثقلاً بسؤال واحد رافقه طوال الطريق: هل ما زالت أمه على قيد الحياة؟ وعند وصوله، وبينما كان يتنقل في غرف المنزل، راحت عيناه تبحثان عن وجهها في الزوايا، قبل أن يُبلّغ بوفاتها. لاحقاً، ومع توافد المهنئين، انسحب إلى الحمام بحجة الاستراحة، ليبكي هناك بكاءً مريراً، وصفه بأنه أشد ألماً من كل ما عرفه خلال خمسة عشر عاماً من السجن.
المنفى
مع اندلاع الثورة السورية بعد عام 2011، وجد النيفي نفسه مضطراً إلى مغادرة البلاد. في عام 2014 انتقل إلى تركيا، ثم استقر لاحقاً في فرنسا، حيث واصل نشاطه الثقافي والإعلامي، وشارك في منصات فكرية عربية ودولية معنية بالشأن السوري وحقوق الإنسان.
في المنفى، ازدادت كتاباته عمقاً ومرارة، وبرزت ثيمات الفقد، الذاكرة، والاقتلاع القسري، إلى جانب النقد السياسي وتحليل مسارات الثورة السورية.
الوفاة والإرث
توفي الكاتب والشاعر حسن النيفي يوم الخميس 18 كانون الأول/ديسمبر 2025 في فرنسا، إثر أزمة صحية مفاجئة. برحيله، فقدت الثقافة السورية أحد الأصوات التي مثّلت جيل السجون والمنفى، وراكمت تجربة فكرية وأدبية مشتبكة مع التاريخ السياسي السوري الحديث.
يترك النيفي إرثاً من القصائد والمقالات والشهادات المصورة، يشكّل جزءاً مهماً من الذاكرة الثقافية والسياسية السورية، ومن أدب السجن والمقاومة الفكرية.
الأعمال والإنتاج الثقافي
- هواجس وأشواق (ديوان شعري، 1985)
- رماد السنين (ديوان شعري، بعد الإفراج – نتاج سنوات السجن)
- مقالات سياسية وفكرية في صحف ومواقع عربية
- مشاركات في حوارات وندوات حول أدب السجون والذاكرة السياسية السورية
الجدول الزمني المختصر
- 1963: الولادة في منبج – ريف حلب
- 1983: الالتحاق بكلية اللغة العربية – جامعة حلب
- 1985: إصدار الديوان الأول «هواجس وأشواق»
- 1986: الاعتقال أثناء الدراسة الجامعية
- 1986–2001: تنقل بين فروع التحقيق وسجون حلب، عدرا، تدمر، صيدنايا
- 2001: الإفراج والعودة إلى منبج
- 2014: مغادرة سوريا إلى تركيا ثم فرنسا
- 2025: الوفاة في فرنسا إثر أزمة صحية
