في موقع عسكري مؤقت متاخم لحقل غاز طبيعي في خشام بدير الزور شرق سوريا ، توجد آثار الحرب العنيفة في البلاد في كل مكان، مباني اسمنتية تعرضت للقصف خربة، وأنابيب كانت تنقل الغاز الطبيعي المسال يتم تقطيعها ولفها.
وعلم الولايات المتحدة ممزق بين أبراج معالجة الغاز التي يبلغ ارتفاعها 40 قدمًا يرفرف عالياً فوق القاعدة ، و يرمز لوجود القوات الأمريكية هنا – وأنها لا تخطط للمغادرة قريبًا.
قال ملازم أمريكي في كونوكو ، وهو الاسم الذي اكتسبته القاعدة من شركة النفط والغاز الأمريكية كانت تدير الآبار قبل المغادرة منذ فترة طويلة “لقد نصبت سارية العلم” نريدهم أن يعرفوا أننا ملتزمون بحماية هذه المنطقة.
ومع ذلك ، فإن مدى التزام الرئيس بايدن بالإبقاء على القوات في سوريا غير مؤكد.
لا يبدو أن إدارة بايدن في عجلة من أمرها لسحب 900 جندي أمريكي بقوا في البلاد ، وهي قوة صغيرة نسبيًا كما يرى بعض مسؤولي البيت الأبيض أنها أساسية لمنع عودة ظهور تنظيم ” الدولة الإسلامية” أو التقدم لاستعادة منطقة حقول النفط من قبل قوات بشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين.
لكن مسؤولي البيت الأبيض قالوا إنهم يراجعون وجود القوات في سوريا – وهو إعلان أثار مخاوف من أن يعيد بايدن النظر في الانتشار كجزء من تقليص أكبر للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط والتحول المزمع لتركيز البنتاغون إلى آسيا.
وقال الجنرال كينيث “فرانك” ماكنزي جونيور ، القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط ، في مقابلة بعد زيارة شرق سوريا يوم الجمعة الماضي، إن ما سيفعله بايدن “هو السؤال الوحيد الذي تلقيته من الجميع”. “أعتقد أن الإدارة الجديدة ستنظر في هذا الأمر، وبعد ذلك سنحصل على إرشادات.”
كما وصف روبرت فورد ، السفير الأمريكي السابق بسوريا في عهد إدارة باراك أوباما ، استراتيجية الولايات المتحدة بأنها “معيبة للغاية” وقال إنه على بايدن سحب القوات المتبقية التي ساعدت قوات سوريا الديمقراطية – وهي ميليشيا يقودها الأكراد – في إنشاء جيب شبه مستقل في شمال شرق البلاد.
قال فورد عن الانتشار الأمريكي في مقابلة: “لا أعتقد أن الأمر يستحق ذلك” تنظيم “الدولة الإسلامية “تم احتوائه إلى حد كبير وليس في وضع يسمح له بتهديد الولايات المتحدة أو حتى إرسال مقاتلين إلى أوروبا”.
في البداية ، دعم السكان العرب في جهود الميليشيات الكردية للإطاحة بتنظيم “الدولة الإسلامية”، لكن فورد أضاف أن العديد من العرب مستاؤون حاليا من كونهم تحت حكم الأكراد، مما أوجد مصدرًا جديدًا للمجندين في وقت يحاول فيه التنظيم العودة للنشاط على الحدود السورية العراقية.
وقاعدة كونوكو هي واحدة من عدة معسكرات صغيرة تستخدمها القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لاقتطاع جيب خارج سيطرة الأسد. وأدى ذلك إلى استقرار نسبي في جزء من بلد يخوض حربًا (ثورة) دامت عقدًا من الزمان تسببت في خسائر بشرية مروعة.
قُتل مئات الآلاف من الأشخاص منذ اندلاع الثورة في عام 2011 ؛ في عام 2016 ، قدرت الأمم المتحدة العدد بـ 400000. ووفقًا للأمم المتحدة ، نزح ملايين آخرون – نصف السكان – فروا من البلاد.
تخوض قوات النظام معركته الخاصة ضد “الدولة الإسلامية” مدعوما بمرتزقة روس ومستشاري الحرس الثوري الإيراني وميليشيات مدعومة من إيران عناصرها من لبنان والعراق وأفغانستان تحت غطاء طائرات حربية روسية وطائرات مسيرة إيرانية.
القوات الروسية والسورية على الجانب الآخر من نهر الفرات مباشرة من كونوكو ، لكن كلا الجانبين يتجنبان الزحف إلى أراضي الطرف الآخر.
قال فافالورا: “هناك خط متشدد للغاية”. “لا يمكنهم القدوم إلى هنا ، ولا يمكننا الذهاب إلى هناك.”
في عام 2018 ، قُتل المئات من المرتزقة الروس وأعضاء الميليشيات الموالية للحكومة جراء الغارات الجوية والمدفعية الأمريكية عندما عبروا نهر الفرات على بعد أميال فقط من كونوكو.
ساعدت الشراكة الأمريكية مع “قسد” على ترسيخ سيطرتها على شرق سوريا ، وخلقت بديلاً عن حكم الأسد وربما ورقة مساومة إذا ما مضت الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سياسية للحرب الأهلية إلى الأمام.
لكن الاحتفاظ بقوات في شرق سوريا يساعد البنتاغون أيضًا في السيطرة على الحدود العراقية -السورية ، مما يؤدي إلى احتواء النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة.
لا يوجد أثر يذكر لمقاتلي الدولة الإسلامية الذين سيطروا على مساحات كبيرة من شرق سوريا والعراق ، بما في ذلك الآبار النفطية ، إلى أن طردتهم الميليشيات الكردية والعربية بمساعدة الضربات الجوية الأمريكية والقوات الخاصة.
يقول المسؤولون الأمريكيون إن التنظيم لديه أقل من 10000 مقاتل ، وقد أُجبر الكثير منهم على العيش في مناطق جبلية أو صحراوية نائية وضعفت قدرته على شن هجمات في مناطق “قسد”.
قال ماكنزي: “نعتقد أنهم ما زالوا يتطلعون إلى الصمود” في سوريا والعراق “لكن من الصعب عليهم الاجتماع لأنهم عندما يفعلون ذلك نعثر عليهم”.
يحرص القادة العسكريون الأمريكيون على عدم استبعاد المزيد من الانسحابات مع بدء إدارة بايدن لكنهم يحذرون من أن الانسحاب، إلى جانب تخفيض الدعم الجوي والاستخبارات والمساعدات الأخرى لقسد، من شأنه أن يخلق فراغًا أمنيًا يمكن أن يستغله تنظيم “الدولة الإسلامية”.
قال ماكنزي: “ماذا سيحدث إذا انسحبنا؟ هو سؤال نحتاج إلى إلقاء نظرة عليه”. “لأننا عنصر من الاستقرار هناك.”
يحذر المسؤولون الأمريكيون من أن انسحاب القوات الأمريكية من المحتمل أن يشل قسد و يجبر المقاتلين الأكراد على التراجع إلى منطقة أصغر في شمال شرق سوريا والتوصل إلى تسوية مع الأسد.
كما يمكن أن يؤدي إلى الهروب في معسكرات الاعتقال التي يديرها الأكراد والتي تحتجز الآلاف من مقاتلي التنظيم وخروج أفراد عائلات المسلحين والمتعاطفين معهم من مخيمات اللاجئين المزدحمة، الذين يقدر عددهم في الهول 70 ألفا.
يجد بايدن صعوبة في التمييز بين الميليشيات والقوى الخارجية وبين قوات النظام، وكان أول عمل عسكري له هو الأمر بشن غارة جوية في شباط ضد معسكر بالقرب من الحدود مع العراق ، ردًا على هجوم ميليشيا مدعومة من إيران على قاعدة أمريكية في العراق.
كيفية صياغة رد على ما يحصل في سوريا أربكت المسؤولين الأمريكيين منذ بدء الثورة السورية.
وبهدف تقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة ، ركز الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما على تقديم المساعدات الإنسانية والمفاوضات السياسية الهادفة إلى الإطاحة ببشار الأسد. وافق أوباما على المساعدة العسكرية السرية على أمل إنشاء قوة معارضة سورية معتدلة لمواجهة المزيد من المقاتلين، وهو جهد فاتر ونتائجه ضعيفة.
بعد أن استخدم الأسد غاز السارين والسلاح الكيماوي عام 2013 بغوطة دمشق ، وفي محافظة حلب، استعد أوباما لرد عسكري انتقامي لكنه تراجع قبيل بدء الهجوم.
عندما ظهر تنظيم “الدولة الإسلامية” في عام 2014 ، واستولى على ثلث سوريا والعراق وأعلن خلافته، أرسل أوباما القوات إلى العراق ووافق على شن ضربات جوية في كوباني (عين العرب)، فساعد القصف الجوي الأمريكي المقاتلين الأكراد على إنهاء حصار التنظيم.
بدوره تعهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مرارًا بالانسحاب بعد هزيمة شبه الكاملة للتنظيم في أوائل عام 2019، وأعلن الانسحاب في كانون الأول بعد غارة أمريكية قتلت زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” أبو بكر البغدادي. لكنه تراجع بعد استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس احتجاجًا وحذر مستشارو البيت الأبيض من أن الانسحاب السريع للغاية سيسمح للتنظيم بإعادة تنظيم صفوفه.
في العام الماضي ، أمر ترامب بسحب القوات الأمريكية من المناطق الحدودية مع تركيا كجزء من تحرك مخطط لسحب كامل القوات الأمريكية من سوريا، لكن تحت ضغط البنتاغون ، وافق لاحقًا على إبقاء القوات الأمريكية في الشرق لمواصلة العمل مع قسد وللمساعدة في حماية حقول النفط من التنظيم.
حاليا، في القرية الخضراء (العمر)، وهي قاعدة أخرى شرق نهر الفرات ، يسكن الجنود الأمريكيون في شقق متداعية كان يستخدمها عمال حقول النفط، قالت الملازم ميليسا كاردونا إن مدفع مدفعي هاوتزر M777 العملاق يجلس في الغالب في وضع الخمول ، حيث لا يوجد الكثير من مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” لاستهدافهم.
ومع ذلك ، قالت كاردونا إن الجنود يطلقون كل أسبوعين قذيفة بعيدة المدى على مناطق نائية يعتقد أن مقاتلي المجموعة يختبئون فيها – فقط لتذكيرهم “أننا ما زلنا هنا”.
ترجمة دجلة عن لوس أنجلوس تايمز
