ارتفعت نسبة الإناث مقابل نسبة الذكور لأسباب متعلقة بسقوط قتلى في العمليات العسكرية والمعارك وضحايا جراء القصف، وفق الباحث الاجتماعي السوري منتصر السيد علي.

مضي عبد الكريم الأحمد أكثر من 12 ساعة من يومه بالعمل في ورشة البناء في ريف إدلب شمالي سوريا، مقابل الحصول على أجر يبلغ 20 ليرة تركية (حوالي دولار ونصف الدولار) لقاء هذا العمل الشاق، وهو المبلغ الذي ينفقه لجلب بعض الخبز والخضار لأهله في مخيم حربنوش للنازحين السوريين.

ويخرج الأحمد (33 عاما) منذ الساعة السادسة صباحا من المخيم نحو ورشة البناء القريبة من المخيم، ويجتهد مع رفاقه بالأجرة اليومية في نقل البلوك والإسمنت وإنشاء جدران الأبنية الجديدة، وسط طقس شديد البرودة وظروف عمل غاية في القسوة.
ورغم تجاوزه الثلاثين من عمره فإن فكرة الزواج والارتباط لا تراود الأحمد في الوقت الراهن، وباتت أمراً عسيراً عليه وأقرانه من الشباب في مناطق سيطرة المعارضة السورية، إذ إن أقصى ما يحصلون عليه يكفي لتأمين القوت اليومي لأهاليهم، في الوقت الذي لا يدخر أحدا منهم المال بعد 10 سنوات من الصراع في البلاد.

“دولرة المهر”

ومؤخرا، بات الأهالي في مناطق سيطرة المعارضة بريف إدلب يطلبون مهر الفتيات المقبلات على الزواج بالدولار الأميركي، مع التساهل بامتلاك بيت الزوجية. وجاء هذا العرف الجديد على وقع انهيار الليرة.

وتلقت هذه الظاهرة ردود فعل متباينة لدى سكان مناطق المعارضة، إذ ينظر إليها البعض على أنها حق مشروع للأهل لضمان حقوق ابنتهم المقبلة على الزواج في ظل حالة عدم استقرار الوضع الاقتصادي، في الوقت الذي يصفها البعض بأنها “عملية تجارة وشرط تعجيزي” يصعب الأمر على الشبان.

ويقول عمر حافظ من أهالي إدلب إن مشكلة اعتماد الدولار للمهر كان عقبة في وجهه أثناء عزمه على الزواج والبحث عن شريكة حياته، فضلا عن ارتفاع قيمة المهر إلى مبالغ تفوق قدرته المالية.

ويضيف -في حديث للجزيرة نت- أن أقل مهر طلب منه من بعض الأسر كان يتجاوز 3 آلاف دولار، وكان لا يملك نصف المبلغ فقط، عدا تكاليف الأثاث والذهب.

الهجرة حلاً

وعلى وقع الغلاء وقلة فرص العمل بمناطق المعارضة، يجد شبان من إدلب وحلب في الهجرة إلى تركيا ودول أوروبا خيارا وحيدا وأخيرا، رغم مخاطر العبور ومشقة السفر وتكاليفه المرتفعة.

ويعتقد الجيل الشاب أن مسألة تعقيدات الزواج وظروف المجتمع الطارئة أغلقت في وجههم باب الاستقرار وبناء الأسرة.

ويعتزم ابراهيم (اسم مستعار) من نازحي مدينة المعرة بريف إدلب السفر إلى أوروبا مع حلول الربيع القادم، بعد أن جمع مبلغا من المال لتأمين تكاليف السفر بطريقة غير شرعية.

ويقول المواطن (29 عاما) للجزيرة نت إن المستقبل في إدلب أصبح مجهولا والظروف تزداد سوءا، ولم يعد لديه أي خيارات سوى الهجرة من المنطقة، مشيرا إلى أن فكرة الزواج غير واردة على الإطلاق، حسب تعبيره.

ارتفاع نسبة الإناث

ويقارب عدد سكان مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا 4 ملايين ونصف المليون، حسب إحصائية أصدرها فريق “مسنقو استجابة سوريا” عن التركيبة السكانية، أول أمس الخميس.

وقد أثرت تداعيات الحرب على التركيبة السكانية في مناطق سيطرة المعارضة، فارتفعت نسبة الإناث مقابل الذكور لأسباب متعلقة بسقوط قتلى في العمليات العسكرية والمعارك وضحايا جراء القصف، وفق الباحث الاجتماعي منتصر السيد علي.

ويشير علي -في حديث للجزيرة نت- إلى أن عوامل إضافية ساهمت في انخفاض نسبة فئة الشباب، من أبرزها الهجرة إلى الخارج “وهو الأمر الذي أدى إلى انتشار ظاهرة العنوسة في المنطقة”.

وعن مسألة غلاء المهور واعتماد الدولار عملة له، اعتبر هذا المواطن أن المسألة لا تتعلق بنوع العملة بقدر ما تتعلق بقيمتها وقدرة الشباب المقبل على الزواج على تأمينها، خصوصا وأن شمال غربي سوريا منطقة حرب وغير مستقرة اقتصاديا.

المصدر : الجزيرة