زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق تهدف إلى إحداث تحول حقيقي في معالجة القضايا العالقة، وأهمها أزمة اللاجئين، مكافحة تهريب المخدرات، والتصعيد في فلسطين ولبنان الذي يلقي بظلاله على جوهر الحوار بين الصفدي و بشار الأسد، مما يجعل من الصعب النظر إلى هذه الزيارة بمعزل عن الأزمات المتشابكة في المنطقة.
في زيارته حمل وزير الخارجية الأردني رسالة شفوية من الملك عبد الله الثاني للأسد تضمنت إشارة لقضية اللاجئين السوريين وخطر تهريب المخدرات.

ومع أن الأردن يظهر استعداده للتواصل مع دمشق حول هذه الملفات الشائكة، فإن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هنا: هل تستطيع حكومة دمشق، أن تلعب دوراً فاعلاً وتحقق نتائج ملموسة على الأرض؟


عودة اللاجئين السوريين


قبيل زيارة الصفدي أعلن رئيس الحكومة محمد غازي الجلالي عن خطة لتيسير عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم بالتنسيق مع مفوضية اللاجئين، وتعاون مع دولٍ شقيقة وصديقة لإطلاق مشاريعَ تسمح بتوفير الخدمات الأساسية، وهذا البند كان على رأس جدول الأعمال خلال زيارة الصفدي، وبينما أكد الرئيس الأسد على أن حكومته بدمشق قد “قطعت شوطاً” في تسهيل عودة اللاجئين عبر إجراءات قانونية وتشريعية، لا تزال هذه العودة تواجه العديد من العقبات الواقعية، سردتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير أظهر النظام السوري يستخدم الوثائق الثبوتية كأداة للابتزاز والسيطرة على المواطنين، خصوصاً المعارضين والمتأثرين بالنزاع، فالتحكم بهذه الوثائق يؤدي إلى إعاقة الوصول للخدمات الأساسية وخلق مشكلات قانونية، مثل الأطفال الذين يفتقرون إلى أوراق رسمية، هذا عدا عن حالات اعتقال بعض العائدين من لبنان.

إذن العودة ما زالت بعيدة المنال فالواقع على الأرض يشير إلى أن الظروف ليست مؤاتيه لعودة اللاجئين بشكل آمن وكريم كما تروج له دمشق، وما يحتاجه اللاجئون هو ضمانات حقيقية لتوفير بيئة مستقرة وآمنة في سوريا، وليس مجرد تطمينات غير ملموسة.


مكافحة تهريب المخدرات


لا يمكن تجاهل أهمية مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية-الأردنية، وهي قضية تثير قلقاً كبيراً لدى الأردن. ومع تشكيل لجنة مشتركة للتعاون في هذا المجال في تموز العام الماضي، تبدو الخطوات العملية لمكافحة التهريب ضرورية لتعزيز الأمن القومي الأردني، لكن هل دمشق قادرة أو مستعدة حقاً للسيطرة على هذه الظاهرة في ظل الانفلات الأمني في أجزاء من سوريا؟
من غير الواضح مدى قدرة الحكومة السورية على ضبط الحدود ومنع تهريب المخدرات بشكل فعال، أم يجري استخدام التهريب كورقة ضغط من قبل دمشق في مفاوضاتها مع الدول المجاورة، بما فيها الأردن.


لا شك أن زيارة الصفدي إلى دمشق تندرج ضمن سياق المحاولات العربية لإيجاد حل شامل في سوريا، مع استغلال فترة الضعف لدى النظام السوري الذي يعاين بصمت تساقط حلفاءه في المحور الإيراني واحدا تلو الآخر.


فالأردن، الذي يواجه تحديات كبيرة على صعيد استقبال اللاجئين وتهديدات أمنية نتيجة عدم الاستقرار في سوريا وتجارة المخدرات، يحاول أن يلعب دور الوسيط الإقليمي. لكنه لا يملك القدرة لإحداث تغيير جوهري في المشهد السوري؟ وفي حال عدم تحقيق نتائج فعلية خاصة لجهة تقليص الوجود الإيراني، لا تستطيع عمان اتخاذ خطوات أخرى أكثر صرامة، ربما فقط تستطيع ان تحذر بشار الأسد من مصير يشابه مصير حماس في غزة وحزب الله في جنوب لبنان.

ورغم جهود الدول العربية لإعادة إدماج سوريا في المنظومة الإقليمية، فإن تمسك دمشق بالبقاء ضمن المسار الإيراني يجعل التقدم على المسار العربي مستحيلاً. هذا التمسك لا يضعف فقط فرص الحلول الدبلوماسية، بل يجبر سوريا على دفع أثمان قاسية، مشابهة لما تعانيه بيروت، والغارات المتكررة لإسرائيل على مواقع عسكرية وأمنية في حماة، حمص، دمشق، اللاذقية، ودير الزور ليست سوى مؤشرات على أن التورط الإقليمي المستمر يجلب المزيد من العنف وعدم الاستقرار.

التعاون بين عمان ودمشق قد يعزز بعض الجوانب الأمنية على الحدود، مثل مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود بين البلدين، ولكن دون تغييرات جوهرية في السياسات الإقليمية لدمشق، التي أعلن في بيانها الختامي بانها مستمر في التوجه نحو الشرق لتكون ضمن التحالفات والتكتلات الإقليمية، سيبقى هذا التعاون محدود التأثير على تحقيق استقرار شامل يقوم على انتقال سياسي حقيقي بعيدا عن إصدار مراسيم العفو الشكلية وتصريحات لا يمكنها حماية السوريين العائدين من اعتقالات الأجهزة الأمنية ورصاص الجيش ولا حتى نهب الحكومة لأموالهم مقابل الحصول على وثائقهم الرسمية.