في إحدى حلقات مسلسل “بقعة ضوء” اشترك فنانون لهم شهرة كبيرة هم: “بسام كوسا وعبد المنعم عمايري وأيمن رضا” في تجسيد أحداث رحلة بحث رجل ريفي عن أحد أبناء قريته بشوارع دمشق بهدف قتله في إطار عادة “الثأر” السيئة، لكن باستخفاف كبير اخرج القالب الكوميدي من سياق إيصال الفكرة بطريقة جذابة وممتعة إلى سياق السخرية من اللهجة وأهلها، حيث ظهرت خليطا من البدوية والريفية.

فشل بسام كوسا بإتقان اللهجة مزعج لأصحابها والأكثر ازعاجا هو تصوير الريفيين كأغبياء بالمطلق وساذجين للغاية، فأمست اللوحة كأنها سخرية من أصحاب اللهجة لا من الظاهرة أو المشكلة، هذا عدا عن تجاهل المنطق بخلق ظروف مثالية لإنهاء اللوحة بمصالحة فقط لإحساسهما بالغربة في دمشق فقط، رغم هذا كله -للأسف- ما يحصل في المناطق الريفية – غزيلة والقحطانية وغرانيج والجنينة والحصان – يبرر هذا الكم من السخرية نظرا للاستخفاف بإراقة الدماء على يمين الفرات ويساره بالمشاجرات حول أسباب قد تكون تافهة أيضا.

إذن، مقارنة بما حصل ويحصل في محافظات الجزيرة (الرقة ودير الزور والحسكة) فإن تصوير لوحة بقعة ضوء لواقع الريف السوري على مبدأ ” المضحك المبكي ” تكون أكثر مصداقية مع ما نشاهده ونسمعه عن سقوط قتلى وجرحى بالجملة بمشاجرات جماعية خلال الفترة الماضية ستورث الكثير من العداوات مستقبلا.

فالسلاح الآلي الفتاك بيد أشخاص تسوقهم هذه العواطف الهدامة خطر جدا على المجتمع، هذا ما ادركه قبل 134 عامًا شيخ قبيلة شمر فارس صفوك الجربا حين رفض بندقية قدمها له زوج الليدي” آن بلنت” خلال رحلتهما عام 1878 في وادي الفرات بحثا عن زعماء البدو لتحريضهم ضد الدولة العثمانية.

يمكن إحصاء عشرات القتلى ومئات الجرحى نتيجة استخدام الأسلحة النارية وخاصة الرشاشة بهذه المشاجرات شرق دير الزور وبريف القامشلي والرقة، دون أي رادع أخلاقي أو ديني، بينما مجموع ضحايا مواجهات البدو في بادية حمص وحماة لم يتجاوز 50 قتيلا في غزوات عشائرية شاملة رغم عدم وجود سلطة، حسب ما ذكر في كتاب 📕 بدو الفرات.

ويعود انتشار هذه الجرائم في الريف إلى أسباب عديدة منها “غياب الرادع الأخلاقي والديني، وغياب سلطة الدولة، ونظرة المجتمع العشائري للمجرم والخارج عن القانون كبطل, والإيمان بالخرافات ودجل المشعوذين نتيجة نسبة الجهلاء بالعلمين الديني والدنيوي، ما اورث انحلالا أخلاقيا بدأت تظهر نتائجه.

وما يسهل سفك الدماء بوضع الحرب والاضطراب الذي تشهده البلاد هو حصول الشباب العرب على سلاح رشاش بعد انتسابهم لميليشيات مسلحة شتى بهدف الحصول على المال وحماية نفسه من منافسيه وحتى من الميليشيات المسيطرة على اختلاف مشاربها سواء شرق الفرات أو غربه عربية أو كردية أم تركية، لان كثرة المثقفين لدى العشائر العربية لم يؤثر لجهة إنشاء أحزاب ومنظمات مجتمعية فعالة تقود هذا المجتمع لبر الأمان.

يعد اجتماع “قانا” العشائري خير دليل على عدم إرضاء هذا الوضع للشباب إلى جانب رفضهم لما طلبه كبار السن من “محاسبة قتلة الشاب، والافراج عن المعتقلين الأبرياء، وإيقاف الاعتقال التعسفي للشباب العرب” خشية الدخول في مواجهة حقيقية مع قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيا.

وانطلاقا من موقف الطبقة المثقفة لدينا والواقع المخيف، جاء تصوير الدراما السورية لواقعنا باستخفاف واستهزاء على عكس ما تناولته السينما المصرية في فلم /المتمرد 1987/ لهنرى بركات وبطولة “فريد شوقي وأحمد عبد العزيز وليلى علوي” حين ابتعد صاحب الثأر “هاشم” عن أهله حتى لا يجبر على قتل قريبه وبفضل ذكاءه وحسن خلقه جنب نفسه وقريبه فخا نصبته عصابة تهريب الأسلحة للتخلص منهما في الميناء، حيث هرب.

لكن الحال المزرية لأبناء الجزيرة السورية حاليا، قد يبرر ذلك للمؤلف والمشاركين باللوحة على أمل أن يوجعوا المتمسكين بهذه العادات المدمرة عندما يكون الإشكال في ما بينهم، ويجنحون للسلم حين يكون موت ابنهم تحت التعذيب في سجون سلطة أمر واقع فرض عليهم دون أي يحتجوا ويرفضوا ذلك بصراحة، ناهيك عن ان يحشدوا أقربائهم ويستنفروا الشباب مهددين المعتدي بالويل والثبور على غرار ما حصل في بريف الرقة الشرقي قبل أسابيع على خلفية مشاجرة داخل المدينة مع عائلة أخرى.

محمد الحسون