بعد يومين من الاشتباكات العنيفة التي هزّت محافظة السويداء جنوب سوريا، أعلنت وزارة الدفاع السورية صباح الثلاثاء 15 تموز/يوليو، عن وقف شامل لإطلاق النار، جاء ثمرة مفاوضات مع وجهاء وأعيان المدينة، وسط تأكيد رسمي على “استمرار الرد على أي مصادر نيران”، وانتشار تدريجي لقوات الشرطة العسكرية وقوى الأمن الداخلي لضبط الأوضاع.
وقال وزار الدفاع: “إلى كافة الوحدات العاملة داخل مدينة السويداء، نعلن عن وقف تام لإطلاق النار بعد الاتفاق مع وجهاء وأعيان المدينة، على أن يتم الرد فقط على مصادر النيران والتعامل مع أي استهداف من قبل المجموعات الخارجة عن القانون”.
في تسلسل الإجراءات الأمنية، بدأ الجيش السوري بنشر وحداته داخل المدينة، وتبعته قوى الأمن الداخلي في أحياء متفرقة. وقال وزير الدفاع، اللواء المهندس مرهف أبو قصرة، في بيان رسمي، إن “قوات الشرطة العسكرية ستتولى ضبط السلوك العسكري ومحاسبة المتجاوزين”، تمهيدًا لتسليم الأحياء لقوى الأمن الداخلي بعد انتهاء عمليات التمشيط.
وزارة الدفاع أكدت من جهتها على أهمية “حماية الممتلكات العامة والخاصة”، مع التهديد بـ”محاسبة كل تهاون”، مشيرة إلى أن استعادة الاستقرار في المدينة ستكون بالتوازي مع نزع سلاح الجماعات المسلحة.
في محاولة لطمأنة الأهالي، قال وزير الدفاع في تصريح: “أوصيكم بحماية أهلكم المواطنين، فأنتم حماة الناس لا عليهم”. غير أن اللهجة الرسمية لم تخلُ من التهديد، إذ جرى التأكيد على أن “كل تقصير يُسجّل وكل تهاون يُحاسب”، و “لن نسمح باستمرار الفوضى”.
في إطار مهمة حفظ الأمن وفرض الاستقرار عقب دخول القوات الحكومية إلى مدينة السويداء، حذّرت وزارة الداخلية من ارتكاب أي تجاوزات أو تعديات على الممتلكات العامة أو الخاصة، تحت أي ذريعة كانت.
وأكدت الوزارة أنها ستتخذ الإجراءات القانونية الصارمة بحق أي عنصر يثبت تورّطه في مثل هذه الأفعال أثناء تنفيذ المهمة، دون تهاون أو استثناء.
وتُشدد وزارة الداخلية على أن دخول القوات الحكومية يهدف حصراً إلى ضبط الأوضاع، وحماية الأهالي، وبسط الأمان في المدينة، ضمن التزام صارم بالقانون واحترام حقوق المواطنين.
في المقابل، تتحدث مصادر محلية عن انتهاكات طالت المدنيين، من اقتحامات وعمليات قتل وسرقة، نُسبت لعناصر عشائرية دخلت برفقة القوات الرسمية.
في موازاة ذلك، تم الإعلان عن “فتح تحقيق فوري” بحق عناصر من الأمن الداخلي ظهروا في تسجيل مصوّر يتحدثون عن قضايا تضر بالسلم الأهلي، في ما اعتُبر تجاوزاً للصلاحيات، وفق بيان صادر عن وزارة الداخلية.
انهيار التهدئة وعودة المواجهات
قالت وزارة الداخلية في بيان إن قوى الأمن الداخلي، بالتعاون مع وحدات من وزارة الدفاع طردت المجموعات الخارجة عن القانون من مركز مدينة السويداء، وتمكنت من تأمين المدنيين، وإعادة مظاهر الاستقرار إلى المدينة.
وفي أعقاب هذه العملية، عُقد اجتماع موسّع ضمّ قائد الأمن الداخلي في السويداء، العميد أحمد الدالاتي، وعدداً من رجال الدين ووجهاء المدينة، حيث تم التوافق على تثبيت نقاط أمنية داخل المدينة، وسحب الآليات العسكرية ووحدات قوات الدفاع، استجابةً لرغبة الأهالي وتعزيزاً لحالة التهدئة.
غير أنّ هذه التفاهمات سرعان ما تعرّضت للخرق، حيث عادت المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون لشنّ اعتداءات غادرة استهدفت عناصر الشرطة والأمن، في محاولة لإدراك المشهد الأمني ونسف ما تم التوصّل إليه من تفاهمات محلية.
وفي تطوّر خطير، نفّذ طيران الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية دعماً لتلك المجموعات، استهدفت مواقع انتشار القوات الأمنية والعسكرية، ما أسفر عن مقتل عدد من عناصر قوى الأمن الداخلي والجيش السوري.
ولا تزال الاشتباكات مستمرة في بعض أحياء المدينة، في ظل جهود حثيثة تبذلها الحكومة بالتنسيق مع وجهاء وأعيان السويداء، لاستعادة السيطرة الكاملة وفرض الأمن والاستقرار بشكل دائم.
أصل الأحداث المأساوية
بدأت شرارة التوتر قبل أيام، على خلفية عمليات “خطف وخطف مضاد” بين فصائل محلية درزية وعشائر عربية، سرعان ما تطورت إلى اشتباكات دامية في أحياء متفرقة من السويداء، تسببت بمقتل وجرح العشرات، من بينهم 18 جنديًا من قوات الجيش، بحسب بيان المتحدث العسكري العقيد حسن عبد الغني.
في كلمة مصورة نشرتها وزارة الدفاع السورية، قال العقيد عبد الغني إن ما شهدته المحافظة كان “نتيجة مباشرة لحالة الفراغ المؤسسي والإداري منذ عدة أشهر”، مؤكدًا أن الجيش “تدخل لفض الاشتباك بالتنسيق مع وزارة الداخلية”، لكنه تعرّض لهجمات “غادرة” من مجموعات وصفها بـ”الخارجة عن القانون”.
أما وزارة الداخلية، فألقت اللوم في تطورات الوضع على ما وصفته بـ”التيار الانعزالي”، وقال المتحدث الرسمي نور الدين البابا إن هذا التيار “يراهن على سلخ السويداء عن شجرة الوطن”، معتبراً أن الحل “لا يكون إلا بفرض الأمن وتفعيل المؤسسات”.