بأناقةٍ لا تخطئها العين، يظهر الزَّبون اليوم كواحد من أبرز ملامح الزيّ التقليدي للمرأة العربية في الجزيرة السورية، ففي رأس العين؛ المدينة التي تُعدّ من أقدم حواضر الجزيرة وأكثرها تمسّكًا بعاداتها، لم يكن الزبون مجرد قطعة لباس، بل هوية كاملة ترتديها النساء لأنه يحدد ما يجب أن تلبسه المرأة من ثياب ثم لون الهباري أو الملافع لغطاء الرأس.
هذا الرداء الطويل، الذي يشبه العباءة أو القميص المفتوح من الأمام، هو رداء وازار معا، لأنه يغطي الظهر من الكتفين وكامل الجسد حتى القدمين، له أكمام تصل إلى الرسغين، ويُرتدى فوق الثوب الأساسي الذي يتناغم مع لونه غالبا ويشد بالحزام سواء الحزام الصوفي قديما أو الجلدي حاليا، يجمع الزبون بين الحشمة والزينة، إلى حدّ أن النساء المسنّات إن خرجن دون ارتدائه تقول إحداهن: “خرجت مجردة” ! وكان الخروج من دون الزبون عيبا لا يقتربن منه، حسب التقاليد القديمة، قبل أن يتراجع لصالح المعاطف الجديدة والجلباب والعباءات ولألبسة الشرعية.
أجزاء الزبون العربي
الزبون، وفق كتاب صادر عن الاتحاد النسائي يحمل اسم “الأزياء الشعبية السورية”، يتكوّن من طبقتين أساسيتين:
- الطبقة الخارجية: تسمى “الوجه” وهو قماش سميك، ملوّن أو سادة، تُزيّنه خيوط تطريز غالبًا ما تكون ذهبية، تمنح الرداء هيبته التقليدية وأناقة تدل على فخامة الرداء.
- البطانة الداخلية: قماش ناعم وخفيف، يوفر الدفء والراحة، خصوصًا في برد شتاء الجزيرة.
نوع القماش وكثافة التطريز يحددان قيمة الزبون، التي تتراوح اليوم بين 50 و75 دولارًا للزبون العادي، أي الزبون الذي يفصل من القماش متوسط الغلاء أو الرخيص نسبيا دون زينة من الخرز ليكون أكثر راحة، وتستخدمه بعض النساء أحيانا لحمل الأطفال الصغار أثناء أداء أعمالهن المنزلية بينما ترتفع تكلفة الزبون المطرز بين 150–300 دولار وأشهرها المعروفة بـ”أبو دلال” لأن الخياط يرسم عليه بالتطريز دلة القهوة العربية بخيوط النحاس.
ورغم انتشار العباءات الحديثة، ما تزال الأجيال الأكبر سنًا متمسكة بالزبون — ليس مجرد ذكرى، بل جزء من جهاز العروس وقطعة أساسية في الأعراس والمناسبات، حيث يعود الزيّ ليُعلن حضوره في الحفلات من خلال حضور البنات الحفلات بأفخر أنواع الزبون المطرز وأغلاها.
الخياطون يتحدثون عن استمرار الطلب
في دكانه الصغير في رأس العين، يروي الخياط على الفندي أن الزبون “تراث لا يمكن الاستغناء عنه”، ويشرح أن تصنيع الزبون اليدوي يستغرق وقتًا أطول بكثير من الخياطة العادية:
“تبدأ القصة بعد قصّ القماش. نمرّ على الماكينة أولًا، ثم ننتقل إلى التطريز اليدوي، وهو أصعب مرحلة… أسبوع، عشرة أيام، وأحيانًا شهر كامل إذا كانت الزخارف معقّدة”.
الصعوبة الأكبر، كما يقول، ليست الوقت وحده، بل ندرة المواد الأصلية:
“الأقمشة القديمة لم تعد متوافرة بالجودة نفسها، ولا خيوط النحاس خاصة في منطقة محاصرة مثل رأس العين، فالحصول على المواد الأساسية بات أصعب، وأسعارها ارتفعت”.
ومع ذلك، يسجّل الفندي مفارقة لافتة: “منذ ثلاث أو أربع سنوات، عاد الطلب للارتفاع… الجيل الجديد بدأ يحيي تراث أهله”.
في السياق، إحدى سيدات المدينة تقول بفخرٍ:
“الزبون ورثناه من أجدادنا من أكثر من مئات السنين، هو رمز زي العرب عندنا، ما نقدر نستغني عنه. نلبسه بالأعراس والزيارات، وتلبسه العروس مع أهلها يوم ‘الخَرجة'”.
وتضيف أن بعض الأنواع القديمة كانت تُطريز في حلب لدى حرفيين مشهورين مثل “العزيزي”، وأن أبرزها كان “زبون رشّ السُّكَّر” و “أبو دلال” الذي ارتبط بطقوس الأعراس في المنطقة الشرقية.
منافسة العباءات وتحوّل الأذواق
من جانبه، يقدّم التاجر محمد العيدو قراءة مختلفة—بل واقعية—لحركة السوق من محله في عبارة محلات الأقمشة مقابل البريد وسط رأس العين، فيقول:
“الإقبال اليوم تراجع 90% عن السنوات الماضية. العباءات الحديثة صارت الأكثر انتشارًا، الزبون يبقى مطلوبًا فقط للمناسبات، وبعض الزبائن يبحثون عن موديلات مطرّزة أو “خرج شامي أو حلبي”، لكن كلفة التطريز اليدوي العالية تجعل الطلب محدودًا”.
لكن رغم التراجع التجاري، يبقى الزبون، في رأيه، “قطعة تراث يرتدى بالمناسبات… ليس ثوبًا عابرًا”.
الزبون في الجزيرة السورية يشابه الزبون في العراق، ويتلف عن الزبون في السعودية، حيث يطلق على الجزء الثاني من “البلدة” وهو الثوب المطرز الذي يلبس تحته وتفق معه بالتطريز اليدوي، كما يختلف عن الزبون الليبي الرجالي، فلباس الرجال الذي يشبه الزبون هو الصاية.
