• يشهد قطاع زراعة القطن في منطقتي تل أبيض ورأس العين تراجعاً ملحوظاً هذا العام، وسط تحديات اقتصادية وضغوط متزايدة فرضتها عوامل متعددة على المزارعين، رغم أن زراعة القطن كانت تُعدّ إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد المحلي لجهة الدخل وتأمين فرص العمل، إلا أن الموسم الحالي يعكس تدهورًا كبيرًا في الإنتاج، وسط حيرة المزارعين بكيفية التسويق.
  • فما هي الأسباب الرئيسية لهذا التراجع؟
  • وما هي العقبات التي يواجهها مزارعو القطن في هذه المناطق؟

ارتفاع تكاليف الزراعة

من أبرز التحديات التي تواجه مزارعي القطن هذا الموسم هو الارتفاع الكبير في تكاليف الزراعة. بداية من الفلاحة وتجهيز الأرض إلى الزيادة في أسعار مستلزمات الإنتاج، مثل السماد والبذور والمبيدات الحشرية، وهي أعباء أثقلت كاهل المزارعين، ما دفع بعضهم إلى العزوف عن زراعة القطن أو تقليل المساحات المزروعة. يقول “أحمد إبراهيم”، وهو مزارع من رأس العين، إن “أسعار السماد والبذور ارتفعت بشكل جنوني، مما جعلنا نعتمد على أنفسنا في زراعة القطن وقطافه لتجنب التكاليف العالية.”

يقول الشاب، الذي يعمل في قطاف القطن مع إخوته الثلاثة منذ 1 أيلول بقلهم الصغير في محاولة لتقليص النفقات، وأوضح لموقع دجلة أنه ما زال أمامهم أسبوع لإنهاء عملية القطاف. أحمد أشار إلى أن ارتفاع أجور القطاف، التي تصل إلى 70 دولارًا للطن، أجبرته على الاعتماد على نفسه بدلاً من استئجار عمال قطاف.

كما أوضح أن التأخر في القطاف يعرض القطن لخطر الجفاف ومن ثم السقوط على الأرض، مما يؤدي إلى انخفاض الوزن في حال كان الطقس مشمسًا. أما في حال هطول الأمطار، فإن ذلك يعرض المحصول للتلف.

وأضاف أحمد أن غياب عروض أسعار جيدة يدفعهم أيضًا إلى التمهل وعدم الاستعجال في إنهاء عملية القطاف على امل الحصول على أسعار أفضل لأن التجار يتحكمون بالأسعار وسط غياب أي دور للمسؤولين.

تأثرت المحاصيل الزراعية هذا العام بشكل كبير بسبب سوء نوعية الأسمدة، ما أدى إلى ضعف الإنتاج حتى بات أقل من 200 كلغ لكل دونم قطن، وهو انخفاض كبير مقارنة بالسنوات السابقة التي تصل إلى أكثر من 400 كلغ.

مزارعون كثر لجأوا إلى بيع المحاصيل المزروعة بوقت متأخر إلى مربي الأغنام بسبب تدني جودتها والاصابة الحشرية، حسب بعض المزارعين في رأس العين.

غياب الدعم الحكومي وفرض الرسوم والأتاوات

في ظل ارتفاع التكاليف، يشكو المزارعون من غياب الدعم الحكومي، ما يجعلهم يعتمدون بشكل متزايد على القطاع الخاص الذي يفرض شروطه وأسعاره على المزارعين. وفي ظل هذه الظروف، تزايدت احتكارات التجار الذين يستغلون ضعف المزارعين لشراء المحاصيل بأسعار متدنية لم تتجاوز حتى اليوم 500 دولار للطن الواحد رغم أن سعره في مناطق السيطرة الأخرى ضمن سوريا على الأقل 600 دولار، هذا مع أن المزارع يشتري مستلزمات الإنتاج بأسعار مرتفعة ويفرض عليها جمارك أيضا لا أحد يعرفها سوى الحكومة والمجلس وإدارة المعبر، ما أدى إلى تفاقم المشاكل الزراعية.

وقال مصدر من مديرية الزراعة والثروة الحيوانية لموقع دجلة إن الرسوم المفروضة على القطن من جهة المجلس المحلي جرى تخفيضها إلى 15 دولارًا حاليًا، بعدما كانت 20 دولارًا كبدل للخدمات التي يقدمها المجلس للمنطقة، مشيرا إلى أن الرسوم الجمركية المفروضة من إدارة معبر تل أبيض الحدودي التابعة للحكومة المؤقتة تصل إلى 40 دولارًا للطن الواحد من القطن عند عبوره الحدود التركية وهي المنفذ الوحيد للتسويق.

وأضاف أن هناك رسوم (الأتاوات) تفرضها الفصائل العسكرية تصل إلى 28 دولارًا على الطن الواحد، مما يؤدي إلى انخفاض أسعار القطن التي يطرحها التجار وبقية المنتجات الزراعية بشكل عام.

كل هذه الرسوم تجعل من الصعب على المزارعين تحقيق أي ربح معقول من بيع محاصيلهم، ما دفع البعض إلى التفكير في ترك زراعة القطن والبحث عن بدائل أخرى لأن التجار والسلطات ووسائط النقل والعمال تقاسمهم بنصف ثمن محصولهم، الذي أجبروا على بيعه السنة الماضية بسعر 450 دولار للطن الواحد.

آفات حشرية وشح المحروقات

تواجه المحاصيل الزراعية أيضًا تهديدات طبيعية، حيث تعد الآفات الحشرية أحد أبرز التحديات. الدودة الشوكية، التي تأكل ثمار القطن قبل نضوجها، تسببت في انخفاض الإنتاج بنسبة تزيد عن 35%، وفق مديرية الزراعة في تل أبيض. وعلى الرغم من محاولات مديرية الزراعة في تل أبيض بالتعاون مع ولاية شانلي أورفا التركية لإجراء كشوفات دورية على المحاصيل وتقديم النصائح للمزارعين، إلا أن تأثير هذه الآفات ما زال كبيرًا على جودة الإنتاج.

وتقدر المديرية كمية الإنتاج المتوقعة بنحو 8,500 طن من مساحة الأراضي المزروعة بالقطن في منطقة تل أبيض وهي حوالي 24 ألف دونم، مع تقدير الإنتاج لكل دونم بين 300 إلى 350 كغ، وهذا يناقض ما يقوله الفلاحون بأن الدونم الواحد لا يتجاوز انتاجه 200 كلغ بسبب الإصابات بالدودة، في بعض المناطق تراوح إنتاج الدونم هذا العام بين 100 إلى 150 كلغ من القطن، حسب فلاح من قرية صكيرو بريف تل أبيض.

وتشير وزارة الزراعة إلى أن ما يعانيه المزارعون من قلة الآلات الزراعية الحديثة التي تسهّل عمليات الزراعة والقطاف يشكل عقبة أخرى أمام زراعة محاصيل بديلة قد تحتاج لأيدي عاملة كثيرة، مما يزيد من عبء العمل اليدوي على المزارع. ومع ارتفاع أجور العمالة وندرتها، يصبح من الصعب على المزارعين إتمام كافة مراحل الإنتاج بكفاءة.

هذا إلى جانب ارتفاع أسعار المحروقات التي تأتي بمعظمها من مناطق سيطرة القوات الكردية وقد شهدت الأسابيع الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا في أسعار المحروقات، حيث وصل سعر البرميل الواحد من المازوت إلى 160 دولارًا، ما يعادل 2500000 ليرة سورية (مليونان ونصف). هذا الارتفاع أدى إلى توقف بعض المزارعين عن تجهيز محاصيلهم الشتوية لعدم توفر المازوت بسبب قلة الوارد عبر طرق التهريب التي تتحكم بها الفصائل العسكرية، التي تستولي أيضا على البنى التحتية في منطقتي رأس العين وتل أبيض ما يعيق عمل وزارة الزراعة في الحكومة المؤقتة أو مديرية الزراعة التابعة للمجالس المحلية أيضا.

الضغوط الاقتصادية والسياسات المفروضة من قبل الجهات المحلية والرسوم الباهظة المفروضة على القطن أدت إلى انخفاض ملحوظ في دخل المزارعين، الذين يستغربون من فرض 3 سلطات للرسوم فهم يدفعون 90 دولارا تقريبا كرسوم عبور حتى لو كان التاجر من سيسوق لأنه سيخصمها من السعر الأساسي الذي يدفعه للفلاح.

كثير من المزارعين، يطرحون سؤالا مهما لماذا يعتبر المجلس نفسه سلطة مستقلة عن الحكومة السورية المؤقتة، التي بدورها تقول إنها تعطي 60 بالمئة من الرسوم للجيش الوطني و25 بالمئة للمجالس المحلية من أجل الخدمات وأن ما تفرضه الفصائل والمجالس ليس قانونيا.

في ظل ازدواج السلطات بين الحكومة والمجالس المحلية والقوات العسكرية وضبابية المشهد، المزارعون أصبحوا يعتمدون على حلول بديلة مثل بيع محاصيلهم قبل نضوجها لمربي الماشية أو عدم زراعة المساحة بالكامل. هذه الظروف الصعبة قد تدفع بمزيد من المزارعين إلى ترك زراعة القطن، مما يهدد بفقدان مصدر دخل هام للعائلات في هذه المناطق.

لذا تواجه زراعة القطن في تل أبيض ورأس العين مستقبلاً غامضا في ظل التحديات الاقتصادية والضغوط المفروضة على المزارعين، واستمرار هذه المشاكل قد يؤدي إلى تراجع زراعة القطن كليًا في هذه المناطق، ما يتطلب تدخلًا عاجلًا من الحكومة لدعم المزارعين ومساعدتهم في التغلب على العقبات التي تواجههم. وفي ظل الظروف الحالية، يبقى المزارعون يأملون في تحسين الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية لضمان استمرار زراعة القطن وتحقيق الاستدامة فيها.

تقرير: محمد العلي