محمد الحسون
في الفيلم العربي “أنا الدكتور” (إنتاج عام 1986) يقرر طبيب قرية “زمبيل الجبل” في جنوب مصر “صادق عبد الحق” (حسن مصطفى) تحت ضغط من زوجته، فينشر إعلانا لبيع معدات العيادة فيستغل الأمر بطل الفلم الممرض الفهلوي “إبراهيم” (فريد شوقي) فيرسل لصاحبها بأنه ينوي شراءها.
يصل الممرض المعتد بنفسه إلى القرية النائية مع ممرضة (نللي) وممرض (عادل إمام) ويطق على نفسه اسم د “سلامة عبد الشافي” يقابل الطبيب السابق الذي كان شريفا نزيها ولا يحب تكليف الفقراء فوق طاقتهم وهذا جعل (توفيق الدقن) صاحب الصيدلية الوحيدة في القرية (3000 نسمة) يتمنى الخلاص منه لأنه يرفض كتابة الأدوية إلّا للضرورة القصوى ويستبدلها بالأعشاب الطبية أحيانا.
وهكذا مارس الممرض إبراهيم مهنة الطب وعمل على جمع أكبر قدر من المال عبر إيهام أهل القرية الأصحاء بأنهم مرضى، فسلبهم قوتهم وحيواناتهم وكل ما يملكون مقابل العلاج المزعوم.
وقبل دخوله السجن بني مستشفى بمساعدة أحد أغنياء قرية “زنبيل الجبل”، التي ينطبق حالها على مدينة “رأس العين” حين هجرها الأطباء الرحماء بأهلها الفقراء وتسلط عليهم “الأطباء الشرهون للمال” و الباحثون عن خبرة عملية من خلال العبث بمصير وحياة هؤلاء البسطاء.
فعندما يتنصل أطباء المستشفى الوطني برأس العين من مسؤوليتهم عن عمل جراحي بحجة انتقال الأطباء لمستشفى خاص إثر توقيعهم عقد مع منظمات دولية او محلية.
وتجري – عادة- عمليات التعيين دون الإعلان عبر صفحات المجلس أو الصفحات الرسمية في المدينة وهذا سهل لبعض المسؤولين “التكويش” على الوظائف لأقربائهم والأصدقاء في اطار “الشللية” التي تغزو كل مؤسسات المدينة، المحكومة من فصائل متعددة عسكريا وأمنيا وبعقليات عشائرية مدنيا.
وفي مفارقة عجيبة، عاد أحد الصيادلة من أوربا إلى رأس العين فقط لتسجيل شهادته في مديرية الصحة والمكتب الطبي للحصول على ترخيص فتح صيدلية، ثم عاد إلى مكان إقامته في البلد الأوربي، وهذا يفتح مجالا لسيل من الأسئلة أهمها: من سيقف مكان الصيدلي في الصيدلية؟!
وللمفارقة هناك صيدليات تعمل رغم تجاوز القوانين السورية وأعراف توزع الصيدليات بمسافات محددة وأوراق وشروط معينة.
والكثير من “الممرضين الصيادلة” في رأس العين يمثلون “إبراهيم أبو خليل” الفهلوي بطل فلم “أنا الدكتور” ويرون بأنفسهم أطباء وصيادلة لأنهم أكثر خبرة من حاملي شهادات الطب والصيدلة وهي خبرة عملية اكتسبوها عبر الزمن.
لكن هذه الخبرة الكبيرة لدى الأطباء و”الصيادلة الدكنجية” لم تمنعهم من وصف دواء علاج الاكتئاب والوسواس القهري على مدى عشرة أشهر لمريض يعاني من انسداد الشرايين وبحاجة لإجراء جراحة فتح صدر مستعجلة!