11 عاماً مضت على اندلاع الثورة السورية، مسبوقة بإرهاصات عدة، منها احتجاجات وكتابات على الجدران، ودعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للوقوف في وجه الذل، واستعادة الكرامة، ترافقت مع ثورات “الربيع العربي”، وكانت أولى نتائجها تظاهرة سوق الحميدية والمسجد الأموي وسط العاصمة دمشق.


الصرخة الأولى

التقى “العربي الجديد” بالناشط سامي الدريد، مطلق الهتاف الأول في تظاهرة الحميدية والمسجد الأموي، إذ لم يكن إطلاق تلك الصرخة سهلاً بالنسبة إليه.

تساؤلات كثيرة دارت بين سامي ونفسه قبل اتخاذ قرار الخروج في تظاهرة ضد نظام قمعي معروف بالوحشية. يقول سامي: “والله أنا قعدت من أول ما شفت مظاهرة تونس ليوم 15/3 ناقش نفسي، إنت مقتنع بضرورة قيام الثورة في سورية؟ أكيد، معناها شو مانعك؟ لازم تنطلق، وإذا ما انطلقت؟ ما بعرف، لازم شرارة، ليش مو إنت الشرارة؟ أنا مالي ضهر وغير معروف، بنكلوا فيني، معناها إنت مانك صادق بجوابك الأول”. ويضيف: “كان النقاش مؤلماً لدرجة أنني ما كنت قادراً على تحمله، يشهد الله على ذلك”.

“تحيا سورية حرة” كانت الصرخة الأولى التي أطلقها سامي، وشعورها لم ينسه حتى اليوم: “شعور ما بنساه أبداً، انسل من جسدي كله، من أطراف أصابعي شي ما عرفت شو هو، يمكن الخوف ويمكن الرهبة، ويمكن الدنيا، ويمكن حب الحياة ما بعرف بالضبط، وخرج مع أول صرخة، حسيت بعدها إني ريشة طايرة بالهوا، ما عاد فرقت معي لو إجا النظام بكل قوته وجبروته، كنت مستعد واجهه وتمنيت لآخر لحظة حتى اعتقلت يومها”.

صرخة سامي بدأت معها أولى تظاهرات الثورة السورية، واستمرّ بعدها مشهد القمع الذي لجأ إليه النظام، وتطور على مدار سنين، ليسقط ملايين الضحايا بين قتيل ومعتقل ومصاب ومفقود ومعذب ومشرد في البلاد، وخارجها، إضافة إلى تدميره مدناً بأكملها.

يقول سامي إن “الناس يومها كانوا متحفزين وبدأوا يهتفون بشعارات “الشعب السوري ما بينذل، سورية حرة حرة والحرامية برا برا”، مشيراً إلى أن أمن النظام كان متخفياً ويسير مع المتظاهرين باتجاه ساحة الحريقة”.

ويضيف: “هناك كان يوجد تجمع للأمن وجاء وزير الداخلية وحصلت مواجهة حامية بيننا وبينهم. هم يصيحون “بالروح بالدم نفديك يا بشار”، و”نحن نصيح بالروح بالدم نفديكِ سورية”، ودخلوا بيننا وحاولوا تفريق تظاهرتنا. عدنا وجمعنا أنفسنا، وكنا خمسة؛ أنا وعبد العزيز ومروة الغميان ونورا الرفاعي وأحمد الحمود”.

وعاد سامي مع رفاقه باتجاه سوق الحميدية، وكان حولهم كثير من رجال أمن النظام، متابعاً: “عدنا باتجاه سوق الحميدية، وطبعاً كان معنا ضعف عددنا من عناصر الأمن، وأخدونا باتجاه الطريق الموازي للجامع الأموي وقبر صلاح الدين واعتقلونا، وأدخلونا إلى مطعم أو فندق لا أعرف بالضبط ما هو”، مؤكداً أن من قام باعتقالهم هو “فرع الخطيب”.

الإهانة والشتم

الضرب والشتم والسباب والإهانة هو ما تعرض له سامي ورفاقه منذ اللحظات الأولى لعملية الاعتقال، ورافقهم هذا الحال طوال مدة الاعتقال، وحتى الإفراج عنهم بعد شهر تماماً من المعتقل في فرع أمن الدولة بكفرسوسة، والسؤال الشهير في عملية التحقيق كان دائماً “من دفع لكم وكم دفع لكم”، إذ إن النظام لم يكن يتصور أن يخرج بوجهه أحد، ويتهم كلّ من يخرج عليه بأنه مدفوع له من جهة خارجية.

وأكد سامي أنه جرى الإفراج عنهم بعد شهر، من دون عرضهم على القضاء، ومن دون أي محاكمة، وما سمعوه أنه كان “مكرمة من السيد الرئيس”، بعد إصداره عفواً عاماً غايته التخفيف من حدة الاحتقان في الشارع ضده، وكان العفو قد صدر بتاريخ 15-04-2011، وطوال مدة الاعتقال لم يكن سامي يدري ما يحدث في الخارج.

ولم يخفِ سامي ما كان يشعر به في ذلك الوقت الذي أمضاه في المعتقل، “11 يوماً في فرع الخطيب، و19 يوماً في كفرسوسة”، قائلاً: “كنت أتوقع أن الأمر انتهى، وأننا سنبقى في السجن إلى ما شاء الله، ولم أتوقع أن الشعب سينتفض أبداً، كانت مفاجأة عندما عرفت بآخر أيام اعتقالنا بكفرسوسة بفرع أمن الدولة”.

تظاهرة عفوية

شارك في التظاهرة الأولى بدمشق مجموعة من الناشطين لم يكن معظمهم على علاقة سابقة بأي حزب أو أي نشاط سياسي، ولا علاقة لهم بمعارضة داخل البلد أو خارجه، بل كانوا من المجتمع المحلي بكل أطيافه، بعيدين عن الأدلجة والتعصب الطائفي أو المناطقي أو السياسي.

“العفوية والرغبة الأصيلة لدى الشعب بالتغيير” هو أهم ما ميّز تظاهرة الصرخة الأولى وفق ما يقوله سامي، وأكثر ما يتمناه اليوم بعد 11 عاماً هو “ترجع للشعب روح تلك الساعة الأثيرة في نفسي، وأن ننتصر ونتخلص من كل أشكال الاستبداد والظلم”.

ولا ينسى سامي دائماً “دماء الشهداء والمعتقلين القابعين في ظلمات الزنازين الأسدية، زنازين القهر والخوف والرعب”، ويحلم دائماً بـ”خلاصهم”.

11 عاماً مضت على اندلاع الثورة السورية، مسبوقة بإرهاصات عدة، منها احتجاجات وكتابات على الجدران، ودعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للوقوف في وجه الذل، واستعادة الكرامة، ترافقت مع ثورات “الربيع العربي”، وكانت أولى نتائجها تظاهرة سوق الحميدية والمسجد الأموي وسط العاصمة دمشق.

الصرخة الأولى

التقى “العربي الجديد” بالناشط سامي الدريد، مطلق الهتاف الأول في تظاهرة الحميدية والمسجد الأموي، إذ لم يكن إطلاق تلك الصرخة سهلاً بالنسبة إليه.

تساؤلات كثيرة دارت بين سامي ونفسه قبل اتخاذ قرار الخروج في تظاهرة ضد نظام قمعي معروف بالوحشية. يقول سامي: “والله أنا قعدت من أول ما شفت مظاهرة تونس ليوم 15/3 ناقش نفسي، إنت مقتنع بضرورة قيام الثورة في سورية؟ أكيد، معناها شو مانعك؟ لازم تنطلق، وإذا ما انطلقت؟ ما بعرف، لازم شرارة، ليش مو إنت الشرارة؟ أنا مالي ضهر وغير معروف، بنكلوا فيني، معناها إنت مانك صادق بجوابك الأول”. ويضيف: “كان النقاش مؤلماً لدرجة أنني ما كنت قادراً على تحمله، يشهد الله على ذلك”.

“تحيا سورية حرة” كانت الصرخة الأولى التي أطلقها سامي، وشعورها لم ينسه حتى اليوم: “شعور ما بنساه أبداً، انسل من جسدي كله، من أطراف أصابعي شي ما عرفت شو هو، يمكن الخوف ويمكن الرهبة، ويمكن الدنيا، ويمكن حب الحياة ما بعرف بالضبط، وخرج مع أول صرخة، حسيت بعدها إني ريشة طايرة بالهوا، ما عاد فرقت معي لو إجا النظام بكل قوته وجبروته، كنت مستعد واجهه وتمنيت لآخر لحظة حتى اعتقلت يومها”.

صرخة سامي بدأت معها أولى تظاهرات الثورة السورية، واستمرّ بعدها مشهد القمع الذي لجأ إليه النظام، وتطور على مدار سنين، ليسقط ملايين الضحايا بين قتيل ومعتقل ومصاب ومفقود ومعذب ومشرد في البلاد، وخارجها، إضافة إلى تدميره مدناً بأكملها.

يقول سامي إن “الناس يومها كانوا متحفزين وبدأوا يهتفون بشعارات “الشعب السوري ما بينذل، سورية حرة حرة والحرامية برا برا”، مشيراً إلى أن أمن النظام كان متخفياً ويسير مع المتظاهرين باتجاه ساحة الحريقة”.

ويضيف: “هناك كان يوجد تجمع للأمن وجاء وزير الداخلية وحصلت مواجهة حامية بيننا وبينهم. هم يصيحون “بالروح بالدم نفديك يا بشار”، و”نحن نصيح بالروح بالدم نفديكِ سورية”، ودخلوا بيننا وحاولوا تفريق تظاهرتنا. عدنا وجمعنا أنفسنا، وكنا خمسة؛ أنا وعبد العزيز ومروة الغميان ونورا الرفاعي وأحمد الحمود”.

وعاد سامي مع رفاقه باتجاه سوق الحميدية، وكان حولهم كثير من رجال أمن النظام، متابعاً: “عدنا باتجاه سوق الحميدية، وطبعاً كان معنا ضعف عددنا من عناصر الأمن، وأخدونا باتجاه الطريق الموازي للجامع الأموي وقبر صلاح الدين واعتقلونا، وأدخلونا إلى مطعم أو فندق لا أعرف بالضبط ما هو”، مؤكداً أن من قام باعتقالهم هو “فرع الخطيب”.

الإهانة والشتم

الضرب والشتم والسباب والإهانة هو ما تعرض له سامي ورفاقه منذ اللحظات الأولى لعملية الاعتقال، ورافقهم هذا الحال طوال مدة الاعتقال، وحتى الإفراج عنهم بعد شهر تماماً من المعتقل في فرع أمن الدولة بكفرسوسة، والسؤال الشهير في عملية التحقيق كان دائماً “من دفع لكم وكم دفع لكم”، إذ إن النظام لم يكن يتصور أن يخرج بوجهه أحد، ويتهم كلّ من يخرج عليه بأنه مدفوع له من جهة خارجية.

وأكد سامي أنه جرى الإفراج عنهم بعد شهر، من دون عرضهم على القضاء، ومن دون أي محاكمة، وما سمعوه أنه كان “مكرمة من السيد الرئيس”، بعد إصداره عفواً عاماً غايته التخفيف من حدة الاحتقان في الشارع ضده، وكان العفو قد صدر بتاريخ 15-04-2011، وطوال مدة الاعتقال لم يكن سامي يدري ما يحدث في الخارج.

ولم يخفِ سامي ما كان يشعر به في ذلك الوقت الذي أمضاه في المعتقل، “11 يوماً في فرع الخطيب، و19 يوماً في كفرسوسة”، قائلاً: “كنت أتوقع أن الأمر انتهى، وأننا سنبقى في السجن إلى ما شاء الله، ولم أتوقع أن الشعب سينتفض أبداً، كانت مفاجأة عندما عرفت بآخر أيام اعتقالنا بكفرسوسة بفرع أمن الدولة”.

تظاهرة عفوية

شارك في التظاهرة الأولى بدمشق مجموعة من الناشطين لم يكن معظمهم على علاقة سابقة بأي حزب أو أي نشاط سياسي، ولا علاقة لهم بمعارضة داخل البلد أو خارجه، بل كانوا من المجتمع المحلي بكل أطيافه، بعيدين عن الأدلجة والتعصب الطائفي أو المناطقي أو السياسي.

“العفوية والرغبة الأصيلة لدى الشعب بالتغيير” هو أهم ما ميّز تظاهرة الصرخة الأولى وفق ما يقوله سامي، وأكثر ما يتمناه اليوم بعد 11 عاماً هو “ترجع للشعب روح تلك الساعة الأثيرة في نفسي، وأن ننتصر ونتخلص من كل أشكال الاستبداد والظلم”.

ولا ينسى سامي دائماً “دماء الشهداء والمعتقلين القابعين في ظلمات الزنازين الأسدية، زنازين القهر والخوف والرعب”، ويحلم دائماً بـ”خلاصهم”.

عن العربي الجديد