تشهد محافظة السويداء موجة احتجاجات جديدة ضد النظام السوري، وفي الوقت الذي ردد فيه المحتجون، قبل يومين، شعارات تطالب بتحسين الحياة المعيشية وترفض قرار “رفع الدعم الحكومي” الأخير تحوّلت أصواتهم شيئا فشيئا للمناداة بإسقاط بشار الأسد، وتطبيق القرار الأممي “2254”.

وتحظى السويداء برمزية وموقع حساس في سوريا، وتسمى بـ”حاضرة بني معروف”، وعلى الرغم من أن ما تشهده اليوم ليس جديدا، إلا أنه يتميز بـ”نقطتين فارقتين”، بحسب ما يقول صحفيون وكتاب من المحافظة لموقع “الحرة”.

ومع ساعات صباح الإثنين، خرج المتظاهرون في عموم مناطق السويداء، بداية من القرى والبلدات الواقعة في أريافها، ومن ثم توجه قسم منهم إلى مركز المدينة، فيما يعرف محليا بـ”ساحة السير”.

ورفع هؤلاء لافتات طالبت بإسقاط النظام السوري، وأطلقوا شعارات نددوا فيها بـ”سياسات السلطة الفاشلة، التي أدت إلى تدهور حاد في الأوضاع المعيشية”.

ويوضح مدير شبكة “السويداء 24″، الصحفي، ريان معروف، أن “أعداد المحتجين في تزايد، وخاصة في ساحة السير وسط السويداء”، مشيرا إلى أن “المحتجين يحملون لافتات تدعو لبناء وطن لكل السوريين، وأخرى تطالب بتطبيق القرار الأممي 2254، الذي ينص على الانتقال السياسي في سوريا”.

وأكد معروف لموقع “الحرة” أن جزءا من الاحتجاجات أخذ، في الساعات الماضية، منحى تصاعديا، وأن المحتجين قطعوا معظم الطرق التي تصل المحافظة ببقية المناطق السورية، وخاصة الطريق الدولي السويداء – دمشق.

وفي الوقت الذي لم يصدر فيه أي تعليق من جانب النظام السوري، يتابع مدير الشبكة الإخبارية قائلا: “الشعارات تطورت اليوم ضد العائلة الحاكمة، وأخذت شكلا أكثر تنظيما، بالتجمع من أمام مقر ‘عين الزمان’، وصولا إلى وسط المدينة”.

وهناك دعوات لـ”عصيان مدني”، بحسب الصحفي السوري، موضحا أن “مجلس مدينة السويداء أغلق أبوابه، بعدما أجبر المحتجون الموظفين على إنهاء الدوام”، وكذلك الأمر بالنسبة للمحال التجارية هناك.

كيف بدأت القصة؟

لم تندلع شرارة الاحتجاجات في المحافظة الواقعة في جنوبي البلاد عن عبث، بل ارتبطت أولا بالقرار الذي اتخذه النظام السوري، ومفاده إلغاء “الدعم الحكومي” المخصص لعدد من المواد الأساسية التي يحتاجها المواطنون بشكل يومي.

وعلى إثر القرار خرج العشرات من المحتجين، الأسبوع الماضي، في مظاهرات “عفوية” بقرى وبلدات الريفين الشرقي والشمالي والغربي، ليتطور ذلك تباعا ويشمل باقي مناطق المحافظة، وخاصة المدينة.

وردد المتظاهرون أولا شعارات مثل: “لا شرقية ولا غربية بدنا سوريا بدون تبعية”، “كرامة مساواة عدالة”، “ما ظل شيء للفقير”، لتتحول مطالبهم بعد الأحد إلى “الشعب يريد إسقاط النظام” و”معا لتنفيذ القرار الأممي 2254″.

وعلى خلاف ما سبق تتميز المظاهرات الحالية، وفق الصحفي السوري، ريان معروف، بأنها “تشهد مشاركة فئات مجتمعية جديدة”.

ومن هذه الفئات: “رجال الدين، أشخاص من فصائل مسلحة تركوا السلاح ويتظاهرون سلميا الآن، فضلا عن الفقراء المتضررين بالدرجة الأولى من القرارات الحكومية للنظام السوري”.

ويقول معروف إن “سقف الشعارات يرتفع، وهناك دعوات خرجت من أمام دار الطائفة لكل السوريين للتظاهر”، مضيفا “اللهجة تطالب بالبدء بمرحلة جديدة، وأننا لم نعد نحتمل. نريد أن نبني وطنا لكل السوريين”.

وذلك ما يؤكده المكتب الإعلامي لـ”حركة رجال الكرامة”، والتي يشارك أعضاؤها أيضا في الاحتجاجات، منذ الأسبوع الماضي.

ويقول المكتب في تعليق لموقع “الحرة” إن “احتجاجات اليوم تتميز أولا باتساع رقعتها، كونها تشمل حيزا جغرافيا واجتماعيا واسع، وثانيا أن الشعارات التي تتردد فيها تعدّت موضوع الدعم إلى المطالبة بالعدالة والكرامة والمساواة”.

وتتوقع الحركة المسلحة أن تستمر المظاهرات إلى “وقت أطول بسابقاتها”، معتبرة أن “حالة الاحتقان التي تمر بها البلاد تُنذر بتفجّر الأوضاع، كنتيجة حتمية للسياسات الممنهجة التي تعمل ضد مصالح الشعب السوري”.

المحافظة تقطنها أغلبية درزية
المحافظة تقطنها أغلبية درزية

“على طريقتها الخاصة”

وتُحسب السويداء على مناطق سيطرة النظام السوري، وبذلك فإن ما تشهده من حراك شعبي الآن يعتبر “نقطة فارقة” قياسيا بباقي المحافظات، التي قلما تخرج بهكذا احتجاجات، بسبب القبضة الأمنية المفروضة هناك.

ويرى مراقبون أن المحافظة التي تقطنها الأغلبية الدرزية ونظرا لطبيعتها الطائفية “تعمل على تغيير مفهوم الصراع في سوريا من صراع طائفي إلى وطني، وهو صراع السوريين ضد النظام، وبالتالي ترسم أثرا إعلاميا ذا قيمة مختلفة”.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي، حافظ قرقوط، إن “القضية السورية وأزماتها مستمرة طالما بشار الأسد موجود ويمتلك كافة السلطات التي تخوله معاقبة الناس أو حصارهم أو تجويعهم أو التحكم بمستقبل أبنائهم”.

ويرى قرقوط في حديثه لموقع “الحرة” أن “السويداء تعبّر على طريقتها الخاصة، وتذكّر العالم بقضية الشعب المنكوب”.

ويؤكد الكاتب السوري على فكرة أن الاحتجاجات تشهد مشاركة “شرائح جديدة”، موضحا ذلك بالقول: “الهتافات قوية وتذهب مباشرة باتجاه نظام الأسد”.

من جهته، يقول المحامي السوري، سالم ناصيف: “عندما ترتفع أصوات إسقاط السلطة فقد وصلنا إلى مرحلة القطيعة بين الناس والنظام السوري، بأنه لا أمل منه ولا يوجد شيء ليقدمه. المحتجون يعرفون من غريمهم، ويدركون ذلك”.

هل من جدوى؟

على مدى السنوات الماضية لم تتخذ حكومة النظام السوري أي إجراء في المحافظة التي وصفها من تحدث إليهم موقع “الحرة” بـ”المعزولة”، سواء فيما يخص الحالة المعيشية أو حالة الفلتان الأمني التي شهدتها مرارا.

وبذلك تطرح تساؤلات عن جدوى الاحتجاجات التي تصاعدت حدتها الآن، وعما إذا كانت ستحدث أي تغيير في الحالة الراهنة.

ونادرا ما تخرج تعليقات أو مواقف من جانب النظام السوري عما يحصل في السويداء من فوضى أمنية أو احتجاجات شعبية.

وعلى عكس باقي المناطق، تنفرد السويداء بـ”وضع خاص”، حيث توصف سيطرة النظام السوري عليها بـ”الهشة”، كما أن تعامل الأخير الأمني والإداري معها له طبيعة استثنائية.

ويتوقع ناصيف أن تتصاعد الاحتجاجات في الأيام المقبلة، لكنه لا يرى جدوى منها “إلا إذا عمّت كل سوريا”.
 
ويقول لموقع “الحرة” إن “التعميم يصنع الفارق، وإن بقيت مقتصرة على السويداء فقد يتجه النظام السوري إلى إيهام أبنائها بأنه يصنع حلولا إرضائية خاصة بهم”.

ويؤكد ناصيف أن “الجدوى مرتبطة بمدى انتشار هذه الظاهرة إلى باقي المناطق السورية”.

وبعد عشر سنوات من الحرب في البلاد، تكاد تنعدم الروابط الجغرافية بين المناطق السورية المقسمة بين عدة أطراف نفوذ، سواء الخاضعة لسيطرة النظام السوري أو الواقعة في الشرق، حيث مناطق سيطرة القوات الكردية.

وبينما تختلف بيئة كل منطقة عن الأخرى، سياسيا وعسكريا، يجتمع المدنيون ككل في ظروف الأزمة الإنسانية، التي تحدثت عنها مرارا منظمات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

في المقابل لا يستبعد الكاتب السوري، قرقوط، أن يجر النظام السوري الأمور إلى “أوضاع أكثر سخونة”، بقوله: “هذا ما نخشاه”.

ويوضح: “قد تتواصل المظاهرات، وهذا واضح لنا في الأيام المنظورة. لولا أزمة الوقود والتنقل لشهدنا خروج أعداد كبيرة من الناس. في الوقت الحالي لا يوجد (مجال) للتنقل بين القرى والمدينة”.

وأشار قرقوط إلى أن السويداء “معزولة ولا يوجد من يسمع صوتها”، معتبرا أن “المعارضة مفككة، وهي تدخل بتجاذبات دولية وليس بتمثيل حقيقي للسوريين، أما النظام فهو غير معني بما يشكو منه سكان البلد. هو يعمل على أخذهم رهائن وليس (معاملتهم) كمواطنين”.

ضياء عودة – إسطنبول