محمد الحسون
عندما أعلن “الحوت” (ناجي جبر) إقامة “الحكم الذاتي” داخل السجن خلال مشهد كوميدي بمسلسل “عودة غوار” تحدث بطريقة تتطابق تماما مع طريقة بشار الأسد في خطاباته، حين قال: “لماذا هذا….لأنه ماذا؟…لأنه لا حياة لسجين بدون حرية ولا حرية بدون ديمقراطية ولا ديمقراطية بدون السجن، فالسجن قبل الديمقراطية!”.
ويأخذ الحوت في هذا المشهد الكوميدي، دور بشار الأسد في المشهد السوري “المضحك المبكي”، فيتابع: “يجب أن نحل مشاكلنا بأنفسنا…. لنتصارع ..لنتعاون …لنتحاور بالبكس وغيروه وسواته…حتى نجعل من القاووش (الزنزانة) مرتعا للحرية الحقيقية!”.
وكما فعل بشار الأسد اتخذ “الحوت” لنفسه منافسين هو من أطلق عليهم أسماء حركية (زبيدي ولقز)، وكان آخر المعلنين عن ترشيحه رغم أن “هذا العرض” قائم لأجله وهو اللاعب المحوري فيه، بل والناجح الوحيد دون أدنى شك، ومن هنا يمكن اعتبار هذه “الانتخابات” تمثيلية لا أكثر، فالشخصيات التي تمثل دور المنافس للأسد مثل محمود مرعي وعبد الله سلوم ليس لها وزن حقيقي.
وملخص مقابلات “محمود مرعي” الإعلامية في اطار “حملته الانتخابية” أنه كان “معارض شريف” على عكس “المعارضة الخارجية” التي تمثل الثورة السورية، على حد وصفه، أمّا السلوم فلا صوت ولا صورة سوى أنه أراد أن يحقق ينفذ ما كلفه حزبه بتنفيذه.
غابت أي صفة للانتخابات أي الاختيار من متعدد إذا كان الدفاع الوطني المتسلط والمتغلغل بين الناس يقود حملة لإعادة تنصيب بشار الأسد على رأس الدولة الدكتاتورية، ويبني “الخيام الوطنية” ليهدد الناس بشكل مبطن بأن الخروج عن طاعة الطاغية مكلف جداً.
كما تجد الشخصيات البارزة وشيوخ العشائر يحضرون هذه التجمعات معلنين الولاء والبيعة لبشار مع غياب أي مظهر للمرشحين الوهميين، في حالة تجسيد للعقلية المتجذرة في المجتمع “المبرمج على التأييد” رغم كل شيء من التردي الاقتصادي والفقر والظلم..الخ، ومن الطريف أن نواف البشير أعلن تأييده المطلق في هذه التجمعات بدير الزور وهو الذي سرت شائعة بأنه سينافس بشار الأسد خلال الاستفتاء الرئاسي السوري 2007، ما ينم عن تجاهل أو جهل كبير بمضمون الدستور والفرق بين الاستفتاء على خيار واحد وبين الاختيار من خيارات عديدة.
وحتى السفارات في الخارج تتحدث عن قدوم السوريين لتجديد البيعة، فأين الانتخابات التي يشتغل على الترويج لها النظام وسائل الإعلام التابعة له؟!
فالسجناء في قوقعة الأسد يرون “الحرية في هذا السجن” ويختنقون إذا خردوا منه، لهذا شاهدنا من ذهبوا لسفارة النظام يبكون على “بشار الأسد” لا على سوريا، فهم ذهبوا للتأكيد على “تجديد البيعة” وليس المشاركة بانتخابات فيها ثلاثة مرشحين، وعلى الأغلب لا يعرفون أسماء المنافسين.
“انتصار وهمي”
حالة الخرس لوسائل الاعلام تجاه ما حصل في القامشلي، يدلل على أن النظام يسعى للترويج لانتصاره على الثورة السورية، فتجاهل الهزيمة الساحقة بالقامشلي على يد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهو الذي شرع خلال العامين الماضيين بالتوجه شرقا وحث الناس على “المقاومة الشعبية” لكنه ترك حتى “الشبيحة” لأن الأولوية العوة إلى الكرسي بشرعية “الحوت الانتخابية” بعد أن أخذها ووالده “سلبطة” على مدى خمسة عقود.
وبدورها قسد لجأت إلى هذا النوع من التفاوض بهدف رفع الحصار عن مناطقها وتحصيل بعض الاعتراف من دمشق التي تسعى لتحسين الوضع الاقتصادي بضغط روسي من خلال استجرار نفط الجزيرة، في المقابل هذا الإعلام والدبلوماسية الخرساء فتحت المجال لفن “الكولكة” على مصراعيه لإضفاء طابع “المبايعة” على الانتخابات الصورية التي اختير لها شخصيات تريد “برود الأرض” أي ضمان عدم غدر الأسد بها، فقط لا أكثر وتبقى سالمة دون حتى مغانم.
خسارة النظام لحارة طي التي تعتبر أهم معاقل النظام في الجزيرة السورية تكشفت حجم الوهم الذي سوقه نظام بشار الأسد للسوريين في مناطق سيطرته حول “انتصارات وهمية” كانت في الحقيقة تسليم الروس والإيرانيين مقاليد الأمور في البلاد ناهيك عن السيطرة التركية شمالا، خاصة إن “حارة طي” كانت مركز الإشعاع لتسويق فكرة “موالاة العشائر” لنظام الأسد الساعي لاستعادة الجزيرة ونفطها وحبوبها من يد قسد والأمريكيين وحلفائهم المسيطرين على الشرق.
ويمكن القول إن الموالين لنظام الأسد يتفقون مع الفارين من “الدولة الأسدية” وإجرام جيشها على إنها “جمهورية البطش”، فيبرر الخاضعون له الخضوع بدعم روسيا وقسوة العقوبة، فيمتثلون إلى طلب الأجهزة الأمنية اتخاذ ذلك سبيلا نحو “عبادة شخص بشار الأسد إلى الأبد”، الأمر الذي لن يتحقق بفضل تضحيات السوريين رغم الكم الهائل من طلاب الوجاهة والمناصب الذين يتزلفون للدكتاتور ويجترون محاسن فترة حكمه على الدوام وبالمجان!
وفي خضم الخذلان العالمي للشعب السوري الذي عمل على إسقاط الدكتاتور لإقامة انتخابات حقيقية يختارون من يحكمهم من خلالها بحرية كاملة، فيمعن هذا الدكتاتور بدعم روسي –إيراني في إهانة السوريين عبر إجبارهم على لعب دور في مسرحية هزلية يطلق عليها اسم “انتخابات رئاسية” تخرج هذه الانتخابات من سياقها كقيمة عليا للبلد على اعتبارها مظهر من تمظهرات الديمقراطية في الأحوال الطبيعية والتي قدمت لأجل تحقيقها تضحيات كبيرة من دماء السوريين لتأمين مستقبل بلادهم…لكنه سقط حاليا بيد روسيا.