دجلة نت – دمشق
في وقت يبات فيه ملايين السوريون الليالي في طوابير طويلة أمام محطات الوقود والمخابز، هناك طابور ينتظر إطلاق شركة “إيماتيل” هاتف “آيفون 12” الجديد وبجميع نسخه كأول بلد عربي في الشرق الأوسط رغم أنها على قائمة العقوبات الأمريكية.

حالة الانقسام هذه بين طابور لتوفير أساسيات العيش بحده الأدنى، وبين طابور يمثل حالة الرفاهية المفرطة لبلد يتحضر لدخول عامه العاشر من حرب أتت على مدن بأكملها وغيرت ومحت ملامح مناطق برمتها، تمثل الشرخ اجتماعي- اقتصادي بالمجتمع السوري معلنا تلاشي الطبقة الوسطى نهائيا.

نعم، شركة “إيماتيل” انفردت كأول شركة سورية توفر الهاتف رسمياً بالشرق الأوسط، بعد الإعلان عنه بعشرة أيام فقط في الولايات المتحدة صاحبة قانون عقوبات “قيصر” والذي يشمل حظر تزويد النظام السوري بقائمة مواد من ضمنها الأجهزة الالكترونية، مع ورود اسم صاحبها خضر طاهر بقائمة المعاقبين على موقع وزارة الخزانة الأمريكية.

يتراوح سعر الآيفون الجديد بين أربعة ملايين وخمسة ملايين ونصف المليون ليرة سورية، (أي قرابة 2500 دولار أمريكي) على اعتبار أن سعر تصريف الدولار في السوق السوداء يعادل 2200 ليرة سورية لغاية، وعلى المقلب الآخر يتقاضى الموظف البسيط نحو 50 ألف ليرة سورية (22 دولار أميركي)، وبالتالي يحتاج لتوفير مرتبه لمدة عشر سنوات دون مساسه لاقتناء الهاتف الجديد!

وشرع الأمريكان والاتحاد الأوروبي بفرض عقوباتها على سورية منذ 2011، و أدت إلى تجميد أصول للدولة ومئات الشركات والأفراد، وفرض حظر على التجارة بالنفط وقيود على الاستثمار. وفي أيلول الماضي، فرضت “وزارة الخزانة الأميركية” عقوبات جديدة على ثلاث شخصيات و13 كياناً سورياً، جاء ضمنها مالك “إيماتيل” خضر علي طاهر وشركات تابعة له.


الحديث عن تلاشي الطبقة الوسطى الحامل الأساسي للمجتمعات كلّف الدكتور في كلية الاقتصاد زياد زنبوعة حرمانه من التدريس بقرار من جامعة دمشق، وتمديد مدة توقيفه عن العمل، على خلفية إلقائه محاضرة في غرفة تجارة دمشق عام 2017، حذر خلالها من انهيار الطبقة الوسطى في المجتمع السوري وارتفاع معدلات الفقر.

القرار الذي أتى بالتأكيد من طبقة “طابور الآيفون” تضمّن عدداً من التهم الموجهة، منها المساس بهيبة الدولة وإضعاف الشعور الوطني للمواطنين، وبعث روح الانهزام فيهم، وذلك على خلفية إلقائه محاضرة بعنوان “الطبقة الوسطى من وجهة نظر اقتصادية تداعيات الأزمة، وتساءل حينها الدكتور فيما إذا كان ذنبه التحدث عن الواقع المعاش، وتحذيره من تلاشي الطبقة الوسطى، بعد أن صار ثلاثة أرباع الشعب السوري تحت خط الفقر.

في علم الاجتماع تعتبر الطبقة المتوسطة صمام أمان وعامل استقرار المجتمعات، فاتساع قاعدة هذه الطبقة تعني تعافي المجتمع، وهذا بالطبع يعود إلى ديناميكية الحراك الاجتماعي العامودي لهذه الطبقة التي تمثل حلقة الوصل الاجتماعي بين طبقتي الأغنياء والفقراء، و تمثل العمود الفقري لأي مجتمع متقدم حضارياً واقتصادياً.

والطبقة الوسطى محور الحياة الاقتصادية والثقافية وأفرادها يكسبون رزقهم من مهن تعتمد بصورة رئيسية على إنتاجهم الفكري أو المهني أو العلمي.

ويمكن القول أن صورة طابور الآيفون تلخص الانهيار المجتمعي الذي عمل عليه المتنفذون في النظام داخل جسد الدولة السورية أو “الطبقة الحاكمة” خلال العقد الأخير من عمر المجتمع السوري.