يشكل تصريح الرئيس بشار الأسد الأخير حول الاقتصاد السوري تناقضًا واضحًا بين ما يقوله وما يعكسه الواقع، فمن خلال حديثه عن ضرورة التغيير والإصلاح، يبدو أن الأسد يقر بوجود خلل في إدارة الدولة والاقتصاد، لكنه يتناسى أنه هو نفسه يحكم سوريا منذ 24 عامًا.

كيف يمكن لرئيس تسيطر عائلته على البلاد لعقود طويلة أن يتحدث عن “التغيير” وكأنما لم يكن جزءًا أساسيًا من المشكلة؟

لم يعترف بشار الأسد بمسؤوليته عن كل هذا الخراب في أنحاء البلاد، في حين أن الاقتصاد السوري يجد نفسه عند مفترق طرق حساس، حيث يواجه تحديات متزايدة تعرقل انتعاشه، لكنه في تصريحاته الأخيرة أقر أن الانفتاح السياسي على سوريا، في أشار لعودة دمشق لحظيرة الجامعة العربية وانشاء علاقات مع دول عربية، لن يكون الحل الأساسي لإحياء الاقتصاد المنهار.

هذا الموقف يعكس خيبة أمل واضحة من المسار العربي، ما جعله يلتفت إلى ما سماه “سوء إدارة الموارد” الذي يعوق أي تعافٍ اقتصادي حقيقي، وهنا ربما يريد أن يستمر في حملة الانقضاض على أصحاب الثروات داخل البلاد.

و كانت فكرة رفع الدعم الحكومي التي تثير قلقاً واسعاً بين المواطنين، حاضرة في خطاب الأسد كخطوة ضرورية للحد من العجز في الميزانية، رغم أنها قد تؤدي إلى تفاقم معاناة الشعب الذي يعيش بالفعل في ظروف صعبة، في حين يتحدث رئيس الدولة عن رفع العبء عن الحكومة عبر خفض التوقعات منها بعيدا عن “الآمال والأحلام” وتغيير النظام الإداري والاقتصادي المعتمد منذ عقود إلى نظام تعتمده الأغلبية الساحقة من دول العالم وعن المؤسسات الاقتصادية التي يجب أن تربح حتى لا تتحول إلى خدمية!

من الواضح أن رفع الدعم دون توفير آليات تعويضية قد يثير سخطاً عاماً ويزيد من زعزعة الاستقرار الاجتماعي، يضاف إلى ذلك مشكلة الفساد المتجذر في مؤسسات الدولة، والذي يعطل الإصلاحات الاقتصادية ويبطئ تنفيذ أي مبادرة جدية حتى نحو رفع الدعم أو تغيير أسلوب الدعم، وهذا أيضا أقر به في أول اجتماع مع الحكومة الجديدة برئاسة محمد الجلالي.

كلام الأسد عن تقليل أهمية العقوبات الاقتصادية والحصار الغربي يتناقض مع الواقع الذي يعيشه السوريون منذ انهيار الليرة السورية في عام 2019. صحيح أن سوء الإدارة والفساد يلعبان دورًا كبيرًا، لكن لا يمكن إنكار أن الحصار الاقتصادي كان له أثر كارثي، خاصة في ظل استمرار التمسك بعلاقات تحالف مع إيران، التي تمثل أحد أكبر عوامل استنزاف الاقتصاد السوري. الأسد، عبر هذه التصريحات، يبدو وكأنه يعترف ضمنيًا بأن روسيا وإيران، اللتين قدمتا له دعماً عسكريًا حاسمًا، لن تتمكنا من تقديم الدعم الاقتصادي الضروري لإنقاذ البلاد.

وفي الوقت الذي يدعو فيه إلى التغيير والمرحلة الانتقالية، يبدو الأسد غير قادر على الانفصال عن إرثه الطويل في الحكم، فنظامه هو الذي أسس لإدارة الموارد الضعيفة وسوء توزيع الثروات، ومع ذلك، يواصل تقديم نفسه على أنه الشخص القادر على إصلاح ما أفسده هذا النظام، حتى حديثه عن مكافحة الفساد وتطوير السياسات المحلية يتعارض مع واقع بقاء الفساد متجذرًا في كل مفاصل الدولة، مما يجعل وعوده تبدو مجرد وعود جوفاء دون أية نية حقيقية للتغيير، ومن الأدلة على ذلك قوله:

“كثير هيئات ومجالس عليا وغير عليا…غير واضح أيا منها يعمل …ويشارك الحكومة اتخاذ القرار”.

إذا كان هناك درس واحد يجب استخلاصه من تصريحات الأسد، فهو أن النظام الذي ادخل البلاد في نفق الحرب المظلم وأمضى عقودا في السلطة ثم فرط بأهم ثروات وموارد البلاد، لا يمكنه أن يكون هو النظام نفسه الذي سيقود سوريا إلى مستقبل أفضل، ويجب أن يبدأ التغيير من الأعلى، من رأس السلطة، إذا كان هناك أمل حقيقي في تحسين حياة الشعب السوري.


محمد الحسون