صدر العدد المزدوج (التاسع عشر والعشرون) من “قلمون: المجلة السورية للعلوم الإنسانية”، وحمل ملفه الرئيس عنوان “الجزيرة السورية ومنطقة الفرات: الواقع والمستقبل”. وقد كتب في هذا الملف واحد وعشرون باحثًا سوريًا في ميادين شتى، بدءًا بتاريخ الجزيرة وانتهاء باستشراف مستقبلها.

عني المحور الأول من هذا الملف بـ “التاريخ والهجرات والتحولات” في الجزيرة السورية، وبحث فيه حمدان العكله “الدوافع السياسية والآثار الاجتماعية” للهجرات التي عاشتها المنطقة منذ الانتداب الفرنسي حتى اليوم، فكان منها هجرة الأرمن والسريان الأشوريين، والهجرات الكردية وما صاحبها من تغييرات ديمغرافية، انتهاء بتهجير من أطلق عليهم اسم “المغمورين” من قبل نظام الأسد.

درس عبد الباسط سيدا في هذا المحور “آثار اتفاقية سايكس بيكو وتوابعها في رسم حدود الجزيرة”، وسلط الضوء على الاتفاقات والصفقات التي سبقت الحرب العالمية الأولى وعقبتها، الخاصة برسم حدود سورية الدولة الحديثة التي شهدت النور بعد الحرب، مفصلًا القول في اتفاقية سايكس بيكو 1916 التي حددت الإطار العام للمنطقة.

ويختتم هذا المحور ببحث لمهند القاطع عن “السياسات الإثنية الفرنسية في الجزيرة السورية”، ولا سيما تجاه التركيبة القبلية، وطرق توظيفها لصالح الأهداف الفرنسية، إضافة إلى سياساتها تجاه الأقليات الدينية واللغوية، وأثر هذه السياسات في الواقع الاجتماعي والديمغرافي والسياسي في منطقة الجزيرة.

أما المحور الثاني من الملف، فقد عني بـ “الثقافة والأدب والفنون” في الجزيرة السورية، قدم فيه إبراهيم الشبلي مدخلًا إلى الأدب الفراتي شعرًا وقصة ورواية، ودرس فيه محمود الوهب الشعر الشعبي في الجزيرة، ودلل فيه سليمان الطعان من خلال البحث في الأغنية الفراتية على التحولات التي مرت بها منطقة الفرات من البداوة إلى الزراعة.

يضاف إلى ما سبق بحث لأنمار حجازي عن إيقاع الكاميرا في أربعة أفلام وثائقية سورية تناولت منطقة الجزيرة السورية لكل من عمر أميرالاي وريم الغزي.

في هذا المحور أيضًا قراءة نقدية تحليلية لسهف عبد الرحمن في المشهد التشكيلي في منطقة الجزيرة من جيل الريادة إلى جيل التأسيس، وبحث لفاروق إسماعيل بعنوان “آثار الجزيرة السورية: الواقع وآفاق المستقبل” عرض فيه الوضع الأثري في الجزيرة السورية، وتاريخ التنقيب الأثري فيها، مع وصف أهم المواقع الأثرية ومكتشفاتها، وتصنيفها ضمن سياقاتها التاريخية وبيان أهميتها، وبحث في وضع المواقع الأثرية خلال عشر سنوات من الحرب السورية بين 2011– 2021.

وقد اختتم المحور بدراسة “القضاء العشائري في الجزيرة الفراتية” لأنطون قس جبرائيل، بوصف البحث عن بديل قضائي مقبول في ظل غياب السلطة، جعل الراغبين بحل خلافاتهم عن طريق القضاء العشائري في ازدياد ملحوظ.

حمل المحور الثالث عنوان “سياسات آل الأسد في الجزيرة قبيل الثورة وبعدها”، ودرس فيه عبدالله النجار السياسات الأمنية لنظام الأسد في المنطقة، وأسباب نجاحها وآلياتها من دون اللجوء إلى الجيش، ومن ثم اللجوء إلى وكلاء محليين بارتباطات عالمية لإدارة المنطقة بعد الثورة.

وخصص عبد الناصر الجاسم بحثه لدراسة “قرارات الإدارة العامة في سورية وأثرها في التنمية المحلية: واقع الجزيرة السورية”، في ما عني رشيد الحاج صالح بالبحث في “أثر سياسات آل الأسد في الثقافة السياسية للجزيرة السورية” وحلل الثقافة السياسية للمنطقة قبيل الثورة وبعدها من خلال ثلاثة مكونات هي عدم الثقة الاجتماعية والمشاركة السياسية والإحساس بالهوية.

ويختتم المحور بدارسة “سياسات النظام الأسدي التعليمية في الجزيرة السورية” لمحمد نور النمر، سياسات وصفها بالتمييزية، ودلل عليها استنادًا إلى إحصاءات المكتب الوطني للإحصاء (2003)، والموازنة بين سياسة النظام التعليمية في منطقة الجزيرة ومناطق أخرى من سورية.

في المحور الرابع “تفاعل الجزيرة مع وقائع الثورة وتطوراتها” خمس دراسات؛ عنيت الأولى منها بتفاعل قبائل الجزيرة مع الثورة السورية، وقد خلص فيها أحمد الشمام إلى أن أي قبيلة من القبائل لم تعد متماسكة ولا موحدة الموقف قبالة المشكلات العارضة، وما عادت تتقدم وتتراجع ككتلة واحدة متسقة وفقًا للصورة القديمة القارة في الأذهان في حروب القبائل، وتفاعلها مع أي حدث لا ينتج موقفًا واحدًا، ولا يمكن التعويل عليها بوصفها كتلة في أي مشروع سياسي.

أما الثانية، فقد درس فيها مجد وهيبة دور الفصائل العسكرية في الجزيرة السورية، وتأثير هذا الدور في الأحداث التي شهدتها المنطقة، وانعكاس ذلك في المناطق السورية الأخرى. وبحث محمود الحسين في الدراسة الثالثة أثر العمليات العسكرية في فرض التهجير القسري في المنطقة، ولا سيما في دير الزور بين عامي 2012 و2021.

وشغلت الدراسة الرابعة لمناف الحمد بأثر تنظيم داعش في منطقة الجزيرة، ومثال ذلك ديرالزور، تتبع الباحث أثر تنظيم داعش في البنية القبلية للمنطقة المدروسة، وبعض الآثار الاجتماعية التي خلفها، وعرض حالة مخيم الهول بصورة خاصة لتبين أثر مكثف لتركة هذا التنظيم.

وأخيرًا حاول خليل الحاج صالح في الدراسة الخامسة “المخفون قسرًا على يد تنظيم داعش: التغييب المضاعف” تبين ملامح ملف الإخفاء القسري في سورية خلال السنوات الأخيرات من منظورات حقوقية وقانونية وسياسية، وبنى إشكالية الدراسة على احتمال أن تؤدي تعقيدات الصراع في السياق السوري إلى غبن حقوق المنُتَهَكين مرة أخرى من جانب المنتَهِكين، وبحث في احتمالات أخرى قد تنقذ ملف المفقودين في سورية من تغييب إضافي.

يستشرف المحور الخامس من ملف العدد مستقبل منطقة الجزيرة السورية، أضاء فيه طارق عزيزة على مفهوم (الفاعلين من غير الدول) في سياق الصراع السورية عبر نموذج الإدارة الذاتية في منطقة الجزيرة، بوصف الفاعلين من غير الدول فئة ذات تأثير في العلاقات الدولية، ولا يمكن إغفال دورهم في بحث سبل حل النزاع.

واختتم الملف بدراسة لسقراط العلو بعنوان “الإدارة الذاتية والمسألة الكردية: دراسة للعلاقة والمستقبل في ضوء الخيارات السياسية المتاحة”، تناولت موضوع الارتباط بين الإدارة الذاتية والمسألة الكردية في سورية، وسيناريوهات الحل المستقبلي في سورية من خلال هذا الارتباط، ومناقشة هذه السيناريوهات بناء على الواقعين السياسي والعسكري السوريين والمواقف الدولية والإقليمية.

ويقول رئيس التحرير يوسف سلامة في كلمة هذا العدد عن أهمية هذا الملف وصعوبة البحث فيه: “من المهم الإشارة إلى أن البحث في منطقة جغرافية مكونة من ثلاث محافظات في وقت كانت فيه سورية ثائرة على الظلم والاستبداد لم يكن بالأمر السهل من الناحية المنهجية. ويزداد البحث صعوبة في هذه المنطقة بسبب التنوع الإثني والاجتماعي وتباين مصالح الجماعات البشرية وما يترتب على ذلك من انقسامات لم تشمل القبيلة وحدها، بل امتد هذه الانقسام ليشمل العائلة الواحدة في كثير من الأحيان. والأهم من ذلك كله أن (تاريخ الثورة) لم يكتب بعد، ما يجعل هذا الملف في المستقبل إسهامًا -ولو جزئيًا- في كتابة التاريخ الشفوي لنضالات الشعب السوري أو أرشيفًا شفويًا من شأنه المساعدة في تقديم بعض الحقائق للمؤرخين الذين يلتمسون الحقيقة”.

ويطالع القارئ إضافة إلى الملف الرئيس دراسات ذات صلة غير مباشرة بملف العدد وأخرى خارج ملف العدد إلى جانب مراجعتين لكتابيّ “الانهيار السوري: الصراع على السلطة والدولة والهوية” لسميرة مسالمة، و”الوعي الأسطوري الرافدي: تجلياته الفلسفية” لعبد الباسط سيدا اللذين صدرا هذا العام.

مركز حرمون