محمد الحسون

لم تتوقف حلقات مسلسل الاغتيالات في مناطق دير الزور الخاضعة لسيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، لكن مقتل سبعة أشخاص بينهم وجوه قبلية ورؤساء مجالس الكومينات ومسؤولين في مجلس دير الزور في يوم واحد أثار تكهنات كثيرة حول من يقف وراءها.

عملية اغتيال الشيخ طليوش الشتات مع ابنه المسؤول عن مديرية الكهرباء بمجلس دير الزور أعادت للأذهان حوادث تصفية وجوه عشائريين الصيف الماضي خاصة بعد تزامنها مع حادثة تصفية أحمد العلوان مع شخصين من عائلته في مدينة البصيرة إضافة لمقتل رئيس مجلس “أبو حردوب” (كومين) محمود العايد في “الشحيل”.

وهذه الاغتيالات الجديدة استمرار لسلسلة اغتيالات استهدفت زعماء العشائر ومسؤولو المجلس المدني وعسكريين ضمن مناطق “قسد” ويمكن وضعها ضمن سياق النزاع على منطقة حقول النفط السوري وهي رسائل موقع بالدماء للمنخرطين ضمن المشروع الأمريكي شرق سوريا.

فبعد حادثة مقتل “الشيخ “طليوش” قتل شخص آخر يوم الأربعاء 13 كانون ثاني الجاري يدعى عايش العيدان في قرية “بريهة” وقبلها قتل كثيرون بمعدل 1-2 يوميا بينهم مطشر الهفل أحد شيوخ قبيلة العكيدات مع أحد أقاربه وجرح الشيخ إبراهيم الهفل بإطلاق نار استهدف سيارة كانوا يستقلونها في بلدة الحوايج الخاضة لسيطرة “قسد” مطلع آب الماضي.

ولا ننسى حادثة مقتل الشيخ علي سلمان الويس من قبيلة البكارة خلال ذهابه لأداء صلاة عيد الأضحى نهاية تموز الماضي في بلدة الدحلة”.

كما طالت الاغتيالات أحد وجهاء عشيرة “البكير” من قبيلة العكيدات سليمان الكسار قرب مدينة “البصيرة” في 30 تموز 2020 وهو صاحب قصيدة مديح لدونالد ترامب الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته وعرفت باسم “الشايب ترامب”.

ومن المنطقي البحث عن المستفيدين من حوادث التصفية أو أصحاب المصلحة فيها وهنا يظهر جليا مصلحة النظام وإيران وتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، فالأخير لا يوفر أي شخص يعمل مع “قسد” وقوات التحالف وهما المسؤولان عن إنهاء وجوده في الجزيرة وأسلوبه في هذا الاطار واضح من خلال طريقة التنفيذ وبيانات التبني أحيانا.

أمّا النظام الذي بات يواكب اعلاميا منذ العام الماضي الهجمات على عناصر “قسد” والعاملين معها ويحرض عليها عبر ما يسمى “المقاومة الشعبية” والتي تتبنى تصفية واستهداف بعض العناصر، وهذا مع تلويح وزير الخارجية فيصل المقداد بخيار “المقاومة الشعبية” لإخراج الأمريكيين من مناطق “شرق الفرات” بعد استلام مهامه نهاية العام الماضي.

والهدف من استهداف الوجهاء القبليين هو التمهيد لجعل القرار القبلي بيد الأسد وحلفائه عبر إزاحة وجهاء القبائل الموجودين بمناطق سيطرة “قسد” والذين ينافسون وجهاء آخرين يوالون بشار الأسد داخل القبيلة ذاتها، مع الاشارة إلى إمكانية استهداف “طليوش الشتات” بالخطأ عند استهداف ابنه الموظف لدى الإدارة الذاتية.

ويلاحظ تركيز النظام على أكبر الكونفدراليات العشائرية بدير الزرو وهم “البقارة والعقيدات” لذا جرى إبراز كلمة نواف البشير في اجتماع الميادين للاحتجاج على الوجود الأمريكي وكلمة عبد الكريم الدندل في اجتماع البو كمال خلال إحياء ذكرى مقتل قاسم سليماني، واستلزم هذا التساهل بعودة ممن كانوا بصفوف المعارضة.

ولا تسبب تلك العمليات حرجا كبيرا لـ “قسد” خصوصا إذا كانت منسوبة للتنظيم لأنها تتلقى الدعم العسكري على أساس منع ظهوره مرة أخرى و لطالما تحدثت عن إعاقة التدخل التركي ضدها في الشمال لعملها في مواجهة خلاياه النائمة، لكن هذا التصرف ينطوي على مخاطر مستقبلا أولها فقدان وجهاء العشائر المؤثرين المقيمين بمناطقها ومساهمتهم بتهدئة أي احتجاج شعبي عند اللزوم مع عدم القدرة على التمرد.

وفي المقابل احتفاظ دمشق بشخصيات عشائرية لها وزنها مثل كمال الجراح وفواز الجراح بالريف الشرقي، يسهل عليها كسب تعاطف أبناء المنطقة واثارتهم عاطفيا ضد “قسد” مستغلة كل حادثة اغتيال تطال شخصية عشائرية معروفة.

وعندما نرى اهتمام قيادات النظام الأمنية والعسكرية واحتفائها بتقديم العزاء لمدير الشؤون الاجتماعية في مدينة دير الزور أحمد طليوش الشتات بعد مقتل والده الشيخ طليوش الشتات وأخيه محمود الشتات في “حوايج ذيبان”،فهو يحاول تحمل “قسد” وحلفائها المسؤولية الماشرة لا مسؤولية الحماية.

وأيضا يجسد هذا التصرف حرفيا المثل القائل: “يقتل القتيل ويمشي بجنازته”، على اعتبار استمرار التحريض الرسمي على استهداف الموظفين وعناصر “قسد” بتهمة العمالة للأمريكان، إن لم تكن هذه القيادات الأمنية المسؤولة عن التخطيط لبعض هذه الاغتيالات.

وفي النهاية مصلحة النظام حاليا تتطابق مع مصلحة التنظيم وأحيانا يمكن للنظام استغلال تحرك خلاياه في المنطقة على شكل “مجموعات تصفية” بعد فقدان عناصر التنظيم الأرض وذلك لتغطية بعض هجمات عناصر المخابرات وتحركاتهم ضد المشروع الأمريكي.