لعبة “الكلل” الشعبية أو “الدقوق” التي يلعبها الأطفال خلال أوقات الفراغ في مناطق الجزيرة السورية تعرف بأسماء مختلقة بمناطق أخرى من البلاد أهمها “الدحل” في دمشق وريفها وخارج البلاد يطلق عليها أيضا اسم “البلي” في بعض البلدان العربية.



 وهي لعبة شعبية تقوم بشكل رئيسي على “كرة زجاجية” ملساء اخذت اسمها من اللغة التركية gülle وهي القذيفة الكروية المدفع أو البندقية، قطرها حوالي 16.5 مم، يستخدمها الشخص -وغالبا طفل- لاستهداف كرة أخرى أو أكثر لمنافسيه تتنوع أحجامها وألوانها، ويعتبر عدد الإصابات التي يحققها لـ “الكلل” الأخرى عاملا حاسما يحدد الفائز باللعبة.

رغم أنها تنتشر بكثرة في قرى الرقة والحسكة ودير الزور بفصل الشتاء خلال العطل الأسبوعية والنصفية للمدارس يمكن أن تلعب في فصل الصيف وفي العطل الدراسية الطويلة وإثر المناسبات الاحتفالية وخصوصا الأعياد مثل عيدي الأضحى والفطر، فحين يجمع الأطفال كميات كبيرة من السكاكر أثناء الطواف على المنازل للتهنئة بالعيد يستخدمونها عوضا عن “الكالة”، فتنصب حبة السكاكر محل “الكالة” ومجرد أن يصيبها “دق” اللاعب يربحها.



و “الكالة” هي “كرة البلور الصغيرة”، اخذت اسمها أيضا من اللغة التركية  kale  وتعني الهدف المثبتة على أرض الملعب أو القلعة التي تبنى بمكان مخصص لشك/بناء “كلّة” واحدة تستهدف بـ “الكلل” الأخرى كما تقصف القلاع بالمدافع، يفصل بينها وبين الهدف الآخر متر على الأقل، وتكون عادة قديمة أثرت فيها الصدمات، وتعرف جنوب القامشلي باسم “الغارة”.

أما “الدق” (يسمى الراس في دمشق ومحيطها) فهو كرة البلور الجديدة ذات اللون المميز التي يلعب بها الطفل أو اللاعب ليصيب الهدف (الكالة/الغارة) ويطلق باستخدام الإبهام المستند إلى السبابة المرتكزة على الأرض ليصطدم بأكبر عدد من الكرات الزجاجية المنصوبة تباعا أو مصفوفة بجوار بعضها ضمن دائرة تعرف بأرياف الحسكة الشمالية بـ “الخيزة”، وتستخدم المناطق السورية الأخرى مثلثا صغيرا عوضا عنها يسمى “المور”، ويوجد أيضا المطاردة بين لاعبين بأرض مفتوحة تسجل النقاط بعدد الإصابات الموجهة للخصم أو الضربات المباشرة وهذه الأخيرة تلعب عادة مساء داخل الغرف، إذن لكل منها قواعد خاصة.


الخيزة (الدائرة)

من شروط اللعبة بهذه الطريقة أن يقدم كل اللاعبين المشاركين عددا متساويا من “الكلل” (تعرف باسم دعابيل بالعراق) لتنصب بخط مستقيم داخل دائرة قطرها متر على الأقل تكون “خزينة” لجميع الأهداف، ويجري الرمي عليها من خط البداية الذي يبعد مسافة تزيد عن المتر غالبا لإخراجها منها، وتبدأ اللعبة بعد اخيار ترتيب اللاعبين عبر عملية “التقريب” وهي رمي “الدقوق” من أطراف الدائرة باتجاه خط البداية ومن يجعل كرته الزجاجية أقرب للخط هو الأول ويليه الأبعد فالأبعد، وفي دير الزور يقال للثاني “ايكنجي” وهي كلمة تركية تعني الثاني.

 مع بداية اللعبة يكون هدف كل مشارك هو إخراج أكبر عدد ممكن من الكرات الزجاجية من الدائرة بأقل عدد من ضربات “الدق” لتحسب كنقاط له أو ليملكها في حال كانت اللعبة “على التخسير” أي جدية الربح والخسارة.

وهذه اللعبة من  أهم الألعاب وأكثرها شيوعاً في الأحياء الشعبية، وتعد حكراً على الأطفال الذكور فقط، كما تعتمد على الدقة في التصويب، وتزيد من الثقة بالنفس والقدرة على التركيز للتحقيق الهدف.

المور (المثلث)

يلعب عشاق “الكلل”  هذه اللعبة بطريقة تشبه الدائرة، لكن بعد رسم مثلث على الأرض طول كل ضلع 30 سم تقريبا ثم ينصبون “الكالات” على أضلاعه وداخله ثم يطلقون عليه من خط البداية بعد اختيار الأول بـ “التقريب”، وإذا تحققت إصابة “الكلل” في المثلث ستتبعثر، وعندها كل واحدة تخرج من المثلث يربحه اللاعب الذي أصابها، ثم يسدد ثانية من المكان الذي توقف عنده “الدق” وكانه رامي يدفع يحاول أن يسقط قلعة أخرى.

الكالات (الأهداف)
 

في هذه الطريقة يجري تحديد خط البداية وعلى بعد مترين يدعك أحد اللاعبين الأرض بحذائه لتنظيف مكان لـ (الكالة /الغارة) الأولى  ويتم قياس مسافات متساوية بالخطوات بينها وبين أهداف أخرى تتناسب مع عدد اللاعبين (3-4)، ويجري تحديد الأولوية أيضا بعملية “التقريب”.

وعند عملية اطلاق “الدق” يقول بعض اللاعبين كلمات لها معنى مخصص مثل “شيش ومناش” أي انه لا يشترط إصابة الهدف الأول وهو الأقرب، وفي حال أصابت كرته البلورية أكثر من هدف أو هدف و”دق” آخر لأحد اللاعبين يسمى “جرجق” حتى اذا كان الصدام بين هدف أصابه وكرة لاعب آخر، لهذا تعاد الضربة.

وأحيا تعترض عملية التصويب عوائق طبيعية كالعشب أو كومة تراب صغيرة أو حجرة فيقول “ينقش لي” أي يسمح له بتسوية الأرض ليرى الهدف سواء كان الهدف المنصوب أو “دق” أحد المنافسين، وأيضا كلمة “يطلع لي” تعني يسمح لي رفع يدي على قبضة اليد الأخرى خلال عملية التصويب، وهذه الكلمات يجب ان يقولها قبل أن يقول خصمه “ما ينقش لك” أو “ما يطلع لك”.
 
وهذه الاعتراضات وبعض محاولات الغش قد تحدث إشكالات ومشاجرات كلامية بين الأطفال ، خاصة حين يرفض أحدهم إعطاء “الكلل” التي يخسرها في اللعبة المشروطة، وكثيرا ما يلعب الأطفال على السكاكر التي يجمعونها من طوافهم على منازل القرية أو الحي لتهنئتهم خلال أيام الأعياد.

يمكن أن تكون “الشكة” (الهدف) عملة معدنية كانت في الثمانينات ربع ونصف ليرة واكبرها ليرة ووصلت في التسعينات إلى 5 و 10 وحتى 25 حين يلعبها الرجال والشباب في أوقات العصر في الأعياد أو في الأيام الشتوي الصافية حين لا تحتاج حقولهم المرتوية أي عمل زراعي، وهي التي يحرمها رجال الدين باعتبارها “مقامرة”، استنادا إلى حديث ابن عباس عن لعبة “البكسة” وهي خرقة يلعب بها الأطفال وتسمى أيضا “الكجة” تلعب بصولجان وهي تشبه “الحورة”، حين قال: “في كُلِّ شيءٍ قِمارٌ حَتَّى فِي لَعِب الصِّبْيَانِ بالكُجَّةِ”.

وحين تحل النقود المعدنية محل كرات الزجاج يصوب إليها اللاعبون وبمجرد اصابتها وسقوطها تصبح ملكا لمصيبها ويصيح “أكل” أي أصاب.


البيش (الحفرة)


وتعتمد لعبة “البيش” على رمي الكلل باتجاه حفرة صغيرة تجهز بالأرض ووفي حال استطاع اللاعب إدخالها يخرجه من الحفرة يقيس شبرا باتجاه “دق” الخصم ويحاول اصابته ليأخذه.

تاريخيا عثر على كرات رخامية في المقابر المصرية القديمة كان تستخدم لرميها في اناء مخروطي لأهداف دينية وهي تشبه عملية الرمي على “البيش”، وأيضا في اليونان القديمة استخدموا ثمار الجوز والبندق قبل أن تتطور وتصنع من الحجارة وصلصال و الرخام وأخيرا الزجاج لصناعة “الكلل”.

وتوجد ألعاب أخرى – كما أسلفنا- باستخدام الكرات الزجاجية الجميلة وهي “المطاردة” وهي بين شخصين يستخدم كل منهما “الكل” المفضل عنده وتحسب النقاط بعدد الإصابات، ويمكن ان تكون عبر خندق حلزوني ينتهي بحفرة، لكن الأشهر في الجزيرة هي “الكالة” أو بناء الأهداف من الكلل أو القطع النقدية ثم “الخيزة” أو الدائرة.