محمد الحسون

يطلق اسم الإعلام البديل على وسائل إعلام ظهرت بعد انطلاق الثورة السوري في آذار مارس 2011م، وتعرف أيضا بوسائل الإعلام الناشئة أيضا التي وجدت بالمنافي والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام مساحة للعمل، لكن اعتماد معظمها كان على الدعم من جهات مانحة لأنها انطلقت كمؤسسات غير ربحية تقدم خدماتها مجانا، وبالتالي من السهل الضغط عليها إلى درجة إنهاء وجودها عبر قطع الدعم المالي عنها، والتوقف يهدد محطات إذاعية وتلفزيونية تحولت من البث الفضائي إلى البث عبر الانترنت أيضا بسبب قلة الدعم.

ينقسم الدعم إلى قسمين:

الدعم غير المشروط يرتقي بالإعلام الناشئ ويساهم في تطويره بشكل جميل ويتيح الفرصة لجميع الناشطين في مجال الإعلام بتطوير مهاراتهم وخبرتهم ويرفع سقف حرية الإعلام والتعبير.

 الدعم المشروط رغم بعض الإيجابيات يقيد حرية الإعلام والتعبير ويجعل الإعلامي والصحفي يتماشى مع سياسة الداعم وقد يغير الحقائق لأنه ملتزم بتنفيذ شروط التمويل والدعم مؤثر أساسي في استدامة الوسائل وعدم إغلاق مكاتبها.

الإعلام و التدخل الروسي

منذ اندلاع الاحتجاجات ضد بشار الأسد كان حلم السوريين هو بناء بيئة إعلامية متنوعة وبحريات أقرب ما تكون للمفتوحة، لأن تنوع الأصوات والمنصات الإعلامية وتنوع توجهاتها هو ما يشكل البيئة الصحية لإعلام.

أما ضمن المنصة الواحدة فهناك بالتأكيد توجهات وسياسات تحرير تنتهجها الوسيلة وتلتزم بها، لذا فأصل مناخ الحرية هو تعدد الأصوات، دون أن يحدها سقف إلا ما يمكن أن يسيء للمجتمع، كدعوات العنف أو الكراهية، وفي معظم التجارب الديمقراطية هناك ما يشبه العرف غير المكتوب عن الحريات الصحفية. لكن للأسف اليوم لا يمكن الإجابة على سؤالك على هذا النحو، فالكبوات والتراجعات في مسار الثورة السورية بل والإخفاقات في العديد من المحطات لم يترك لهذا الحلم حتى أن يبقى في طور الحلم، وليس تجسيده كواقع على الأرض كما كانت الآمال.

وأقصى ما يمكن تصوره اليوم  بعد سبع سنوات من التدخل الروسي الذي بدأ عام 2015 ليغير مجرى الأحداث العسكرية والسياسية لصالح النظام السوري، هو حريات بسقوف أفضل من السقف الكابوسي الذي فرضه نظام الأسد عبر نصف قرن.

 فتجارب المحيط العربي تفيد بأن قوى الثورة المضادة وداعميهم ما زالت للأسف تتقدم لسحق أي أمل بحريات عالية السقف، فما بالكم مع افساح المجال لروسيا لتكون اللاعب الأول على الساحة السورية ومحاولتها تعويض ما قدمته من خلال الهيمنة على اقتصاد البلاد سواء الموانئ أو الثروات الباطنية والنقل وغيرها من قطاعات تنافسها عليها ايران التي تقوم بوظيفة تساند ما تفعله موسكو لكن على أسس عقدية أشد خطورة على حرية الإعلام في المستقبل حتى من الذي قد تفرضه روسيا والحكومة التابعة لها بدمشق من قيود على الإعلام مستقبلا.

وبدأت القوات الروسية تبلور شكلا جديدا من الإعلام يظهر نفسه حياديا مع الحفاظ على الخط العام الداعم لسلطة دمشق على أنها ضمانة وحدة سوريا، فنشاهد قناة روسيا اليوم ترافق الجنرالات الروس وهم يزورون محطة “مياه علوك” في رأس العين الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني وتركيا، إلى جانب عملها بشكل مستمر إلى جانب “قسد” بكل مناطق سيطرتها ولا يقتصر ذلك على تغطية الدوريات العسكرية المشتركة مع تركيا فقط.

كما يغطي الإعلام الروسي المعارك في البادية ضد “داعش” يغطي عمليات المصالحة في درعا ليظهر الروس كمخلصين لسوريا من الفوضى والإرهاب، وهذا بالضبط ما سيسمح به في حال إكمال روسيا هيمتنها على البلاد عسكريا وسياسيا واقتصاديا.

تصور مستقبل الإعلام السوري

للأسف، لا إشارات حتى الآن على ماهية الإعلام السوري المستقبلي، وكل ما يمكن التنبؤ به من خلال تحكم الخارج بمصير سوريا والسوريين، وفي حالات التفاؤل أنه سيكون هناك شكل من الحكم الذي يضبط الإيقاع لجهة الأمن والعسكرة بطرق قسريّة، وفي حالة كهذه لا يمكن الحديث عن حالة إعلامية حرّة بالمدى المنظور.

وحتى مع نجاح الشعب السوري أو الجهود الدولية بإزاحة بشار الأسد عن الحكم ستواجه المؤسسات الإعلامية الناشئة مشكلات في تحديد هويتها وأيها التي ستمثل الخط الرسمي مع غياب وسيلة اعلام ناطقة حاليا باسم الهيئات المعارضة وعلى رأسها الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، ما يجعل المرحلة اللاحقة مرتبكة خاصة مع توقع انهيار وسائل الإعلام الرسمية أو فرار صحافييها أو إقصائهم على أقل تقدير لمساندتهم النظام على مدى سنوات طويلة, وهذه خسارة مؤكدة للقطاع الإعلامي الذي من المتوقع أن يدخل في حالة من الضياع بسبب قلة الكوادر الخبيرة أولا وبسبب صراع التيارات السياسية التي ستحاول من خلال دعمها للإعلام السيطرة عليه بفضل عدم قدرة وسائل الإعلام البديل تأمين تكاليف تصل إلى ملايين الدولارات لتغطية نفقات انتاج مواد إعلامية محترمة، سواء من الإعلانات أو على نفقة مالكيها.


ومن خلال تحديد هوية الوسيلة الإعلامية يمكن الوقوف على الوظيفة التي تقوم بها، ففي حال سيطر تيار سياسي معين على البلاد  ستتحول وسائل اعلامه إلى وسائل رسمية دون نص قانوني وستحتكر الحديث باسم الحكومة والدولة، لذا ستقتصر مهمتها على بث الدعائية المناصرة للفئة الحاكمة، بينما ستعتمد الوسائل الإعلامية الحرة على التسريبات للحصول على ما يدور في كواليس الحكومة في عملها على نقل الاخبار والمعلومة للمتلقي مع محاولة مراقبة عمل المسؤولين، ومن المحتمل أن تواجه الحرمان من الدعم الحكومي الذي يضمن استمرارها في حال لم تكن هناك قوانين تستند على نصوص دستورية تحميها إلى جانب منظمات نقابية فعالة مستقلة.

وتحتاج وسائل الإعلام إمكانيات ضخمة لا تستطيع توفيرها سوى الدول وخاصة في البداية لاستكمال قيامها بالوظائف الأخرى كالترفيه والتعليم ونقل صوت الناس المستضعفين  والآراء المتعددة للحفاظ على حرية التعبير وعكس قيم المساوات بين المواطنين في مضامينها، وهنا قد تستغل هذه النقطة في اخضاع الإعلام لمؤسسة حكومية قد تكون وزارة الثقافة بدل وزارة الإعلام أو مجلس أعلى للإعلام.