عندما تشن طائرات حربية غارات جوية قرب بلدة خراب الشحم بدرعا وتقتل أفراد عائلة كاملة بينهم 6 أطفال في السويداء، بحجة أن والدهم مهرب مخدرات عبر الحدود الأردنية – السورية، من حق السوريين في الأحوال العادية معرفة حقيقة هذه الغارات ومنفذها وهل جاءت بتنسيق مع دمشق؟

ولأن الحال غير طبيعي، نظرًا لمعاناة البلد من حرب دائرة منذ 12 عامًا، فالأمر يأخذ شكل الشائعات والتحليلات أو التكهنات على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، كما هول حال تصريحات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عبر شبكة “سي إن إن” الأمريكية حول عملية عسكرية داخل سوريا في حال لم يتوقف خطر التهريب الحدودي.

وعلى ما يبدو أن هذه التصريحات جاءت بضوء أخضر من بشار الأسد وليست تهديدات، فجاء غارات الاثنين الجوية على هذا الأساس لاستهدفت مصنع لإنتاج المخدرات بإشراف عناصر “حزب الله اللبناني”


وأكد الصفدي -بعد الغارات- خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الهولندي أنهم اتفقوا مع حكومة دمشق على تشكيل فريق سياسي-أمني لمكافحة المخدرات، مبينا انه سيتصل بالمقداد للحديث في الأمر، وقد يعود سر التكتم إلى سقوط الأطفال وأمهم قتلى بالهجوم.

وفي هذا السياق، كشف تحقيق نُشر على مدونة “إنتيلي تايمز” العبرية أن مسار تهريب أسلحة خفيفة يأتي من المحور الأرضي تحت رعاية “حزب الله”، ثم يتم تهريب هذا السلاح عبر الحدود السورية مع الأردن ومن هناك عبر العشائر البدوية والفلسطينية المحلية إلى الأراضي الفلسطينية.

وعادت المدونة العبرية اليوم لتؤكد في تغريدة على تويتر أنه “لا حاجة إلى مصدر أمني لتقدير أن الهجوم الأردني اليوم في جنوب سوريا على منزل مهرب اسمه “مرعي الرمثان” مرتبط بشكل أو بآخر بترحيل عضو مجلس النواب الأردني اعتقل في إسرائيل بتهمة تهريب سلاح للفلسطينيين، وهو جزء من تعاون إقليمي في الحرب على تهريب الأسلحة والمخدرات في “المحور الإجرامي” الذي تستخدمه إيران وحزب الله بمساعدة عسكريين سوريين وشركاء فلسطينيين، على حد وصفها.

هذا يضعنا أمام أمور جديدة، تقول بأن العرب المطبعين مع إسرائيل تقاربوا مع بشار الأسد وحكومته لهذا الهدف أي “ضبط أمن الحدود ومكافحة عصابات تهريب الأسلحة والمخدرات”، بالتالي هناك رسائل من إسرائيل تصل بشار الأسد عبر الإمارات ورفاقها العرب وأخرى من بشار الأسد ينقلها محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى أصدقائه الجدد في إسرائيل.

ويجمع البلاد العربية المطبعة مع الأسد العداء لحركة الإخوان المسلمين ومحاولة صبغة الثورات العربية بلون ثوبهم لتسهيل الحشد لخنقها في المهد، ولم يتحرجوا سابقا من التصالح مع إسرائيل فوق ساقية الدم الفلسطيني الجارية على أرضهم وفي مخيمات الشتات منذ 70 عاما، فكيف تحرجهم برك الدم السوري على مدى قد من الزمن.

وحتى ما يحصل في السودان يجري في السياق نفسه، فزعيم ميليشيا “الدعم السريع” السودانية محمد حمدان دقلو تحدث عن وقوفه بوجه “الإسلاميين” في الجيش، ما يشير لدول خارجية تدعمه بينها الإمارات وإسرائيل، نظرا لدوره في مكافحة تهريب الأسلحة والهجرة.

على هذا الأساس يمكن أن يتكشف جزء من البنود السرية لهذه الاتفاقات التي جعلت عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية ممكنا، وكان تجميد عضويته هو عمل أخلاقي للزعماء العرب تجاه المذابح وسفك الدماء بسوريا، وهذا هو أضعف الإيمان بعد عجزهم عن حماية أبناء جلدتهم من نصال أسلحة السفاح المستوردة من ايران وروسيا.

فالجامعة العربية لا يتوقف على الانضمام إليها الاعتراف بسوريا كدولة لها سيادة، كما هول الحال في منظمة الأمم المتحدة والبرامج المنبثقة عنها، فطوال فترة قمع الثورة السورية كان بشار الجعفري يهاجم الدول العربية والغربية خلال اجتماعات الأمم المتحدة بشأن سوريا ويقرّع بعض العرب على موقفهم المؤيد للثورة ضد بشار الأسد.

يمكن القول: إن العودة للجامعة العربية لن يعطيه أي أفضلية على أرض الواقع باستثناء المعنويات لأنصاره، لكن قد يعطي الدول العربية أدوات للتفاوض معه بشأن بعض القضايا والزامه بتنفيذها استنادا لميثاق الجامعة أو واجباته التي يستطيع التنصل منها خلال فترة تجميد العضوية وربما يتنازل عن جزء من باقي سيادة الدولة لهم ليحموا انفسهم وإسرائيل من “المهربين”!


محمد الحسون