أتابع باستغراب أزمة نقص الخبز بمناطق الجزيرة السورية المنتجة لملايين الأطنان من القمح فهي تعاني من شح الطحين على حد وصف المسؤولين! وأخيرا يظهر محافظ الحسكة ليطالب ومفوضية شؤون اللاجئين بإصلاح أفران المدينة لحل مشكلة توفير الخبز.
وشخص المحافظ غسان خليل مشكلة “نقص الخبز” في ثلاثة نقاط وطلب حلولها:
1- خروج خطي فرن الحسكة الثاني والثالث عن الخدمة وعلى مفوضية شؤون اللاجئين الدولية اصلاحها.
2- سوء تخزين في مستودعات جرمز بالقامشلي! وبالتالي توقيف مدير فرع الحبوب عبيدة العلي.
3- مشكلة في التوزيع لذا يجب تأسيس لجنة الاشراف على توزيع الخبز من المخابز للمعتمدين.
هكذا يعتقد قمة هرم المسؤولين بالمحافظة أن الخبز سيتوفر ستذهب المشكلة إلى غير رجعة، لكن طوابير الخبز تطول وتطول يوما بعد يوم لتصل إلى “طول سنة الجوع” كما يقول المثل المحلي بالجزيرة السورية.
وكذلك المسؤولون في مدينة الرقة يقولون إن “مشكلة الرغيف عويصة ولا يراد لها الحل في مناطقنا لإلهاء الناس عن مشاكل أخرى في المحروقات والكهرباء والبطالة المتفاقمة وقلة فرص العمل…الخ”.
ويشاع أن امراة حاولت احراق نفسها أمام أحد الافران نتيجة ازمة الخبز المستمرة في مدينة الرقة!
أمّا محافظة دير الزور ترى أن حل أزمة الخبز هو تسليم الناس مخصصاتهم على أساس “البطاقة الذكية” بعد تخبط في قرارات إلغاء بيع الخبز عبر المعتمدين ثم إعادة العمل بها وإلغاء البيع المباشر من المخابز، وإلى حين تجهيز بيانات الأهالي لتنظيم البطاقات فالزحام ينتقل من أمام المخابز إلى بيوت المعتمدين أو بالعكس.
ولسان حال الشعب في مدن القمح يردد أغنية ناظم الغزالي الشهيرة : ” واقفة بالباب تصرخ يالطيف …لا آني مجنونة ولا عقلي خفيف ..من ورا التنور تناوشني الرغيف…يارغيف الحلوة يكفيني سنة”، وذلك في اطار الاستعداد النفسي لاستخدام البطاقة التي ستحدد لهم الكمية المدعومة من الخبز يوميا.
يرى البعض أن المسؤولين يماطلون في حل الأزمات لإيصال رسالة للشعب أن الحصار يخنق البلد رغم الحدود المفتوحة ويجب أن نرفع سعر الخبز كما رفعنا سعر القمح، أو ننقص وزن الرغيف كما حصل في مدينة الباب، والحجج كثيرة منها: “سرقة الطحين وبيعه من قبل أصحاب الأفران، وقلة الطحين بالأصل لقلة القمح الطري، وشراء مربي المواشي الخبز وتجفيفه لاستخدامه بالعلف كونه أرخص من القمح ذاته” ..الخ
وعلى أساس ما سبق بادر المتحكمون بلقمة عيش الناس باستتخدام القمح دون غربلة بشوائبه من الشوفان والشعير أو حتى خلطه بالقمح القاسي والنخالة، ما يجعل الخبز سيء الطعم والنوعية وسريع التلف، ومع ذلك لم يعلن حتى اليوم تأسيس مطحنة جديدة لزيادة كميات الطحين ولو على حساب منظمة دولية أو إنسانية باستثناء ما حصل في تل أبيض، بعد تصاعد الشكاوي من سوء نوعية الخبز نتيجة إهمال أصحاب المطاحن.
كما تعالت الأصوات بعد انتاج أفران رأس العين خبزا مطعما بالحشرات إثر توقف منظمة أفاد التركية عن تأمين الطحين الجيد.
تأمين الطحين؟؟….نعم تأمين الطحين هذه هي المشكلة بالنسبة لهؤلاء المسؤولين عن مناطق الجزيرة بكل مشاربهم، فهم يسمحون بخروج ملايين الأطنان منها بأرخص الأثمان مع تحمل الفلاحين كل الخسائر وتحصيلهم كل الأرباح، وبعدها يشرعون بـ “الولولة” واستجداء المساعدة من المنظمات والدول لتأمين الخبز لشعب هم نصبوا أنفسهم كمسؤولين عن خدمته!
وعلى افتراض أن كل محافظة بالجزيرة تحتاج إلى 500 طن يوميا من القمح يوميا على أعلى تقدير فإن الرقة ودير الزور والحسكة لن تستهلك سوى نصف مليون طن سنويا بشكل تقريبي، ويمكن السماح بشحن الباقي لمحافظات أخرى بهدف تأمين الخبز فيها أولا ولفائدة المزارعين ثانيا.
لكن الواضح أن المسؤولين عن رغيف خبز الناس يحاولون الظهور كأبطال ومخلصين عبر هذه “الشحاذة” من الغير رغم أنهم سبب المشكلة وأصلها!
ولا يستبعد أن يستيقظ الشعب ذات يوم ويجد الرغيف فقد نصف وزنه حتى لا يقال إن : ولاة الأمر ضاعفوا سعر الخبز المدعوم!
محمد الحسون