“قصّري زبونك ….خلي الحجل ينشاف قصّري زبونك …وقولي قليل الخام لو ينشدونك”، هذا الجزء من أغنية “للناصرية”، في التراث الغنائي العراقي، والتي ترنم بها على مدى قرن، مشاهير كُثر ومنهم زكية جورج ومنيرة الهوزوز وانطوانيت إسكندر وصديقة الملاية ومائدة نزهت وحسين النعمة وطالب القرغولي وياس خضر. يظهر أهمية هذه الزي، المعروف باسم “الزبون” في لباس المرأة ومكانته بين قطع لباسها من جهة، وعلى حاجته لقطعة كبيرة من القماش من جهة أخرى.

وفي الجزيرة السورية، حيث يعتبر هؤلاء المطربون من “عمالقة الطرب”، يشكل “الزبون” الهوية الواضحة لزي المرأة العربية التقليدي، ثم أمسى رمز للأصالة وهذا ما تحاول الفتيات العربيات اثباته حين يلبين الدعوات لحضور حفلات الزفاف، عبر ارتداء الزبون المطرز مع عصب رؤوسهن بـ”الهباري”، رغم أن  إنه يغيب لباس الفتيات، على عكس النساء المتقدمات بالسن المتمسكات بشدة بارتدائه، ويعتبرن الخروج دونه فعلاً معيباً، حتى أنهن ينعتن من تسير بالطريق أو الشارع حتى وإن كانت ترتدي الثوب التقليدي الطويل بـ “المجردة”.

وترى السيدة هلالة من أهالي الجزيرة السورية (50 عاماً)، أن لباس “الثوب وفوقه الزبون والمحزم، أكثر حشمة بالبيت وخارجه إلى جانب الهباري الحرير أو الهباري العراقية المشهورة لغطاء الرأس”، وتضيف قائلة:”حالياً لم يعدن(السيدات) يلبسن الزبون ولا الثوب الطويل، ولا المحزم، وأصبحن يخرجن محللات” أي بدون حزام فوق الثوب وهذا معيب في السابق، حسب التقاليد المحلية.

وأضافت لـ”السورية.نت”، إن النساء “لم تكن تجرؤ الخروج لالشارع دون لباسها الكامل وبشكل خاص الزبون، أمّا اليوم فيلبسن البنطال والقميص المزند ( أي كم قصير) وجبونات (تنورات) مُشكلة ومُلونة”.

وتستعين السيدات بـ”الزبون” الخفيف لحمل أطفالهن خلال قيامهن بأعمال البيت، أو إذا كُنَّ من العاملات بِحلبِ الأغنام والأبقار، وعلفها وسقايتها، إلى جانب العمل بالأرضي الزراعية.

في المقابل، تقول الشابة ياسمين (27 عاماً)، إن والدتها وأختها الكبرى يرتدين “الزبون” خلال القيام بأعمالهن اليومية خارج المنزل، وغالباً ما يُصنع من الأنواع الخفيفة من الأقمشة ويخاط بطريقة أو “موديلات” بسيطة، أمّا بالنسبة لها ولأترابها من البنات فيفضلن ارتداء الألبسة الحديثة التي نافست الأزياء التقليدية، ومنها “الزبون”، الذي بات حكراً على النساء  المُسنات دون الشابات أو متوسطات العمر، اللواتي اتجهن إلى ارتداء العباءات الحديثة ومثيلاتها، أو حتى الجاكيت فوق الثوب الطويل عوضاً عن “الزبون”، الذي باتت يخصص للمناسبات كالأفراح والاحتفالات والمناسبات الاجتماعية، لتحقيق نوع من التميز بين الحضور.

وتراجع اقبال الفتيات على خياطة “الزبون” من الأقمشة الفاخرة بسبب ظروف الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية، فقد تضاعفت تكاليف خياطة “الزبون” بين 5 -10 مرات على الأقل حسب النوعية، وهذا ساهم بتقلص عدد الخياطات المتخصصات اللواتي يعرفن صناعته وهن بالأصل قليلات، على حد تعبير ياسمين.

ويحتاج صنع “الزبون” العربي، لشراء مترين من القماش، ويختلف سعر المتر الواحد منه، إذ يتراوح بين 1500 ليرة إلى 2000 حتى 5000 ليرة سورية، حسب نوع القماش إن كان ثقيلاً ليقي السيدة من برد الشتاء ويكون على الأغلب من المخمل، أمّا صيفاً، فتميل النساء لاستخدام القماشة الخفيفة والتي تحتاج إلى بطانة داخلية من قماش التول وغيرها.

ويؤكد أحد تجار القماش في سوق مدينة رأس العين، وهو محمد السالم، أن تكلفة صناعة “الزبون” من أنواع الأقمشة  الفاخرة بين 30 و 40 ألف ليرة سورية، كالذي يصنع منه “الزبون” المطرز أو ما يسمى “أبو دلال” وهو رداء الحفلات الذي يُلبس فقط بالمناسبات والحفلات كالزفاف والخطبة والأعياد. وقد تفضل بعض النساء، صناعة جيوب على جانبي “الزبون”، خاصة ممن يرتدينه بشكل يومي عند الخروج من المنزل، وذلك لحفظ المال و بعض الأشياء التي تحتاجها، وفق ذات التاجر.

وأشار السالم لـ”السورية.نت”، إلى أن الأقمشة التي تباع في السوق هي المخمل و القماش الكوري والصيني والتركي، وأحيانا توفر بعض المحلات “الزبون” الجاهز المطرز على حوافه وخاصة من الأسفل مع رسومات على شكل دلة قهوة، لذلك يسمى “زبون أبو دلال”.

وتقول دراسة لأحمد الحسين عن الزي التقليدي في الجزيرة السورية و نشرت في مجلة التراث الشعبي – العددان 6-7 لعام 2017، أن الزَّبُون والبَدَن: وهو رداء من جوخ أو مخمل أو أي قماش ترتديه المرأة فوق ثوبها، ويغطي ظهرها إلى أقدامها ويكون مفتوحاً من الأمام وله أكمام قصيرة مفتوحة عند الرسغين “وغالباً ما تختار المرأة قماش زبونها من نفس قماش ثوبها للمطابقة والمشاكلة في اللون”.

والزبون هو “المِرْط” الذي كانت تلبسه المرأة في شبه الجزيرة العربية قبل قرون، وظل متوارثاً عبر الأجيال؛ ومما جاء في وصفه قول امرئ القيس:”خرجتُ بها أمشي تجرُّ وراءنا    على أثرَيْنا ذيلَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ”.

ختاماً، تبدي بعض النسوة تمسكاً في لبس “الزبون”، وهو موجود بشكل أساسي ضمن ألبسة المرأة الريفية، ولكن بنسبة قليلة تمثلها النساء المسنات بقرى الجزيرة السورية، حيث يعتبر  أحد أهم الملامح الأساسية للزي النسائي العربي فيها.
المصدر: السورية نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *