للمرة الثانية يخالف بشار الأسد الدستور الذي وضعه بشكل صريح من خلال أداء القسم الرئاسي في القصر الجمهوري وليس في مجلس الشعب وهي مخالفة دستورية وهذا يعكس مدى اهتمامه بتطبيق الدستور الذي يقسم على احترامه في وقت تنفذ فيه طائرات الجيش غارات سقط فيها ضحايا من الشعب السوري بينهم أطفال.

ومن آذار 2011، قمع الثورة الشعبية المطالبة برحيل نظامه بوحشية استخدام فيها الأسلحة الثقيلة والخفيفة والبدائية والكيماوية، ما أدى إلى مقتل مئات الآلاف ونزوح ملايين السوريين عن ديارهم واخفاء عشرات الآلاف في السجون والمعتقلات ومراكز الاحتجاز، قبل أن يكرر شتائم مقذعة بحق المنتفضين ضده خلال خطاباته عقب تدخل روسيا في أيلول 2015 لتثبيت حكمه.

وعلى عكس ما أرادت إظهاره أجهزة المخابرات من عودة الأمان إلى العاصمة عبر نشر صور تناول “الشاورما” بشوارع الميدان، فإن عدم أداء القسم الرئاسي في مجلس الشعب الواقع في منطقة الصالحية يؤكد اعترافها بعدم القدرة على تأمين وصول بشار الأسد إليها.

وتنص المادة 90 من دستور 2012 على أن “يؤدي رئيـس الجمهورية أمام مجلس الشعب قبل أن يباشر مهامه”، لكنه خالف الدستور يوم أمس السبت وأدى القسم الدستوري لولاية رابعة مدتها 7 سنوات بعد فوزه في انتخابات أيار الماضي ، وهو تكرار لما حصل بعد انتخابات حزيران 2014 م.

وذكرت وسائل إعلام موالية إن القسم كان أمام رئيس وأعضاء مجلس الشعب وبحضور شخصيات سياسية وحزبية ودينية وإعلامية وعلمية وثقافية ورياضية وفنية واجتماعية وعائلات قتلى وجرحى ومتميزين ومتفوقين، استدعاهم بشار الأسد إلى قصره وهذا وحده إهانة كبيرة للشعب السوري الذي يدعي أعضاء مجلس الشعب أنهم يمثلونه وهم لم يكفوا عن التصفيق حتى استهزأ بهم بشار قائلا: “انا ذكرت اتراك وارهابيين وأمريكيين …لمين التصفيق”!!

تجوال الأسد وعائلته في الشوارع بثياب بسيطة وتناول الطعام في المطاعم الشعبية على غرار ما يفعل القادة في الغرب يتناقض مع مضمون الحرية والديمقراطية والقرب من الشعب، لكن حين نعرف أنه حكم 20 عاما كوريث لوالده المتوفي عام 2000م، ثم احتال على الدستور ليجعل ولايته السابقة الأولى بعد إزالة المواد المتعلقة بقيادة البعث للدولة والمجتمع وترشيح الرئيس، وبالتالي من غير المستبعد أن يعدله مستقبلا ليحصل على ولاية ثالثة أو تحويل البلد إلى “جمهوليكية أسدية” من خلال توريث حافظ الأسد الثاني الحكم على غرار انتقال الحكم في الملكيات.

يمكن القول إن اختيار حي الميدان لهذه الجولة بالتحديد، لها رمزية عميقة قد لا يفهمها كثيرون تتعلق بالدستور واغتصاب عائلة الأسد للحكم، فخلال أزمة دستور 1973 واجه الشيخ الميداني حسن حبنّكة حافظ الأسد الذي أراد حذف المادة 3 التي تقول إن دين رئيس الجمهورية الإسلام والفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع.


ورغم تويع الاحتجاجات ضده في حماة وحمص استطاع الأسد الأب وضع اللبنة الأساس لحكم ديكتاتوري شمولي مطلق عبر دفع علماء العلويين لإصدار بيان يؤكدون فيه انتماءهم للإسلام بمصادقة من موسى الصدر في لبنان، وبعد ذلك تظاهر بأنه على المذهب السني خلال الصلاة العلنية لعدم قدرته حذف مادة دين رئيس الدولة.

لن أخوص في الحديث عن المجتمع الذي دمره بشار الأسد فعليا قبل اندلاع الثورة بفترة طويلة، لكن تطرقه إلى الحرب الاقتصادية يمكن الرد عليه بما قاله رئيس الوزراء حسين عرنوس حول عدم إمكانية تأمين الكهرباء وتقديم تزويد المصانع على الشعب بعيد رفع أسعار المحروقات وشح الخبز وتدهور التعليم، وهي أمور خدمية يصبر الناس على بلاء الظلم من أجلها، فكيف لو علمنا أن المنظمات الدولية بتمويل غربي ترمم المدارس وشبكات الصرف الصحي التي دمرها الجيش السوري!!.

والأسد يدرك تماما أن عدم التفاهم من الإدارة الكردية سيجعله محروما من مصادر الطاقة (نفط وكهرباء) إلى جانب القمح والثروات الأخرى المتركزة في الجزيرة، لذا فالصبر حتى تأتي خطط الروس أكلها لا يعني أن الأمور تسير مع نظام بشار الأسد نحو الأفضل أو بالاتجاه الصحيح.

وأخيرا كيف لرئيس دولة أمضى 20 عاما بسدة الحكم وجل إنجازاته هي الحرب والفقر وتقسيم البلد وتهجير الشعب إلى دول الجوار وأوربا أن يتحدث عن وحدة عربية يشتمها ليل نهار تقربا لإيران التي أرسلت ميليشيات كثيرة لتقاتل إلى جانبه على أسس طائفية، رغم حكمه البلاد بين عام 2000 و2012  على أساس المذهب السني كرئيس للدولة  السورية وكل الشعب يعرف أنها ليست إلّا خدعة مكشوفة لا تكلفه سوى وضع اليد اليمنى فوق اليسرى خلال صلاة العيد في العام مرتين في الأحوال الطبيعية.

رأي دجلة نت